514

{ إنك } وإن بالغت واجتهدت في إرشادك وهدايتك { لا تسمع الموتى } ما جئت به من الأوامر والنواهي المقربة إلى الله، المبينة لطريق توحيده؛ إذ هم عن السمع معزولون { ولا تسمع الصم الدعآء } أي: ليس في وسعك إسماع الدعاء للأصمين الفاقدين آلة الاستماع، سيما { إذا ولوا } وأعرضوا عنك { مدبرين } [النمل: 80] بلا التفات وتوجه منهم إلى الاستماع والإصغاء.

[27.81-86]

{ و } بالجملة: { مآ أنت } أيها المرسل للهداية، والمبعوث للإرشاد والتكميل { بهادي العمي } الفاقدين لآلات الهداية وأسبابها { عن ضلالتهم } المركوزة في جبلتهم الراسخة في طباعهم { إن تسمع } أي: ما تسمع أنت هدايتك وإرشادك أيها الهادي بوحينا وتوفيقنا { إلا من يؤمن بآياتنا } الدالة على كمال وحدة ذاتنا، وقدرتنا وعلمنا وإرادتنا ويصدق بجميع ما جئت به من عندنا { فهم مسلمون } [النمل: 81] منقادون لأوامرنا وأحكامنا، مجتنبون عن نواهينا ومحظوراتنا، فهم من شدة شقاوتهم وغلظ غشاوتهم لا يؤمنون بك ولا يسلمون، فكيف يتأتى لك إسماعهم وإراشدهم؟!.

{ و } اصبر يا أكمل الرسل { إذا وقع القول } الموعود { عليهم } ولاح أمارات الساعة وظهر علامات القيامة، ودنا وقت قيامها { أخرجنا لهم } قبيل قيام الساعة { دآبة } عظيمة { من الأرض } لتكون أمارة على قيامها، دالة على كمال قدرتنا على إحياء الأموات من العظام الرفات، طولها سبعون ذراعا، ولها قوائم وزغب؛ أي: شعرات صفر كريش الفرخ، وريش وجناحان، يقال لها: الجساسة، لا يفوتها هارب ولا يدركها طالب.

سئل عليه السلام عن مخرجها فقال:

" من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى "

يعني: المسجد الحرام.

فإذا خرجت عليهم { تكلمهم } وتخاطب معهم بسوء فعالهم وحسن خصالهم فتفرق المؤمن من الكافر، وحينئذ ظهر { أن الناس } المنهمكين في بحر الغفلة والنيسان لأي شيء { كانوا بآياتنا } الواصلة إليهم من ألسنة رسلنا { لا يوقنون } [النمل: 82] ولا يذعنون، بل ينكرون ويكذبون عنادا أو مكابرة.

{ ويوم } اذكر يا أكمل الرسل { نحشر } ونسوق عند قيام الساعة { من كل أمة فوجا } فرقة وجماعة هي صناديدهم ورؤساؤهم { ممن يكذب بآياتنا } التي جاء بها رسلنا؛ لإهدائهم وإرشادهم { فهم } في حين حشرهم وسوقهم { يوزعون } [النمل: 83] أي: يحبس أولهم لآخرهم؛ حتى يتلاقوا ويزدحموا، ويساقون أولئك المجرمون هكذا.

{ حتى إذا جآءو } المحشر وحضروا الموعد، وعرضوا على الله صافين صاغرين { قال } قائل من قبل سرادقات العظمة والجلال معيدا عليهم: { أكذبتم } أنتم أيها المسرفون { بآياتي } في بادي الرأي بلا تأمل وتدبر فيها { ولم تحيطوا بها علما } أي: لم تطرحوا نظركم وعقولكم عن فحض معانيها وفحاويها؛ حتى ظهر عندكم ولاح عليكم هل هي جديرة بالرد والإنكار؟ أم حقيق بالقبول والاعتبار؟ فبادرتم إلى تكذيبها بلا إمعان فيها { أما ذا } أي: أم أي شيء شنيع { } كنتم تعملون [النمل: 84] أيها الجاهلون المسرفون؟!.

صفحه نامشخص