512

ولا ينتهي قدرته دون مراد ومقدور، بل له إعادته كما له إبراؤه من جمع أجزائه ولوازمه وعوارضه من الزمان والمكان، والحركات والسكنات، وجميع الأطوار والأحوال الطارئة عليها من مبدأ حدوثها إلى منتهى حياتها؛ إذ جميع ما جرى عليه وصدر عنه حاضر عنده سبحانه، غير مغيب عنه بلا انقضاء في حضرة علمه، وإمضاء من لوح قضائه؛ إذ عنده سبحانه لا زمان ولا مكان؛ حتى يتصور الانقراض والانقضاء، واستبعاد هذه المسألة إنما يجيء من العقول السخيفة، والأحلام الضعيفة المحبوسة؛ لمضيق الزمان والمكان المتحصنة بحصون الجهات والأبعاد المقيدة بسلاسل الأيام وأغلال الليالي.

ومن انكشف له بصر بصيرته، وارتفع عنه سبل السدل وحول التحويل، ومدد التغير والتبديل، واكتحل عن عبرته بكحل الكشف والشهود، اضمحل دونه الزمان والاستمرار ولم يبق في عين عبرته وشهوده سوى الله الواحد القهار لجميع الأغيار، فسمع عنه وأبصر به وأظهر عليه، وفني فيه وبقي لديه ورجع إليه، وبدأ منه وعاد عليه قائلا لسان حاله ومقاله:

إنا لله وإنآ إليه راجعون

[البقرة: 156]،

ربنآ آمنا بمآ أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشهدين

[آل عمران: 53] برحمتك وجودك يا أرحم الراحمين.

{ و } بعدما هدد سبحانه مكذبي وعده ووعيده بما هدد، وأقرعهم بما قرع أراد سبحانه أن يسلي حبيبه صلى الله عليه وسلم بما لحق له من أذى المنكرين المكذبين بقوله: { لا تحزن عليهم } إن كذبوك وأعرضوا عنك يا أكمل الرسل { ولا تكن في ضيق } وسآمة { مما يمكرون } [النمل: 70] أي: من مكرهم وحيلهم، فإن الله يكفيك مؤنة شرورهم، وكن في نفسك يا أكمل الرسل واسع الصدر، طلق الوجه، مسرور القلب، فإن الله ناصرك ومعينك في كل الأحوال، يحفظك عن شرورهم ومكرهم وسيغلبك عليهم، ويظهر دينك على الأديان كلها في أقطار الأرض وأنحائها،

وكفى بالله حسيبا

[النساء: 6].

{ و } من شدة شكيمتهم، وكمال إنكارهم وضغينتهم { يقولون } متهكمين: { متى هذا الوعد } والعذاب الموعود؟ وفي أي آن يظهر؟ وأي زمان يقوم؟ عينوا لنا وقته أيها المدعون { إن كنتم صادقين } [النمل: 71] في دعواكم وقوعه ونزوله.

صفحه نامشخص