{ وجدتها وقومها يسجدون للشمس } ويعبدونها { من دون الله } المستحق للتذلل والعبادة { و } من غاية جهلهم بالله، وغفلتهم عن كمال أوصافه وأسمائه الحسنى { زين لهم الشيطان أعمالهم } هذه وعبادتهم للشمس { فصدهم } وصرفهم بتزيينه وتغريره { عن السبيل } السوي، الموصل إلى توحيد الحق الحقيقي بالعبودية والتذلل { فهم } بسبب تضليل الشيطان وتغريره، ورسوخهم على ما زين لهم { لا يهتدون } [النمل: 24] إلى التوحيد بمقتضى فطرتهم الأصلية وجبلتهم الحقيقية.
فلا بد لهم من مرشد كامل، وهاد مشفق يهديهم إلى سواء السبيل، مع أنهم من زمرة العقلاء المميزين بين الهداية والضلالة، ولكنهم بانهماكهم في الغفلة والغرور، زين لهم الشيطان عبادة الشمس التي هي من جملة مظاهر الحق، مقتصرين العبادة عليها؛ لقصور نظرهم، ولو نبههم منبه نبيه على توحيد الله واستقلاله سبحانه في جميع مظاهره، لعل الله يوقظهم من منام الغفلة.
بأن قال لهم مناديا إياهم: { ألا يسجدوا } يعني: تنبهوا أيها الفاقدون قبلة سجودكم وجهة معبودكم، أيها القوم الضالون المنصرفون عن المسجود الحقيقي والمعبود المعنوي، بل اسجدوا وتذللوا { لله } المتجلي في الأكوان، المنزه عن الحلول في الجهات والمكان، المقدس عن تتابع الساعات وتعاقب الأزمان، بل له شأن لا يشغله شأن ولا يجري عليه زمان ومكان { الذي يخرج } يمقتضى علمه المحيط، وقدرته الكاملة الشاملة { الخبء } أي: الخفي المطوي المكنون { في السموت والأرض } أي: سماوات الأسماء الإلهية، وأوصافه الذاتية الفاعلة، وأرض الطبيعة القابلة لقبول الانعكاس من الأسماء والأوصاف { ويعلم } سبحانه بعلمه الحضوري { ما تخفون } في سرائركم وضمائركم، بل بخفياتكم التي لا اطلاع عليها أصلا بمقتضى قابلياتهم واستعداداتهم { وما تعلنون } [النمل: 25] من أفعالهم وأحوالهم.
وكيف لا يظهر المكنون من الأمور، ولا يعلم خفيات الصدور { الله } الواحد الأحد الصمد، الحي القيوم الذي { لا إله } أي: لا موجود في الوجود { إلا هو رب العرش العظيم } [النمل: 26] المحيط بجميع ما لمع عليه برق تجلياته المتشعشة المتحددة المترتبة على أسمائه الذاتية الكاملة، المستدعية للظهور والبروز بإظهار ما كمن من الكمالات، المندمجة في الذات الأحدية إلى فضاء الوجود.
[27.27-35]
وبعدما سمع سليمان عليه السلام منه ما سمع { قال } ممهلا عليه: { سننظر } ونصبر إلى يظهر { أصدقت } فيما أخبرت به { أم كنت من الكاذبين } [النمل: 27] المزورين زورت هذا؛ لتخلص من العذاب؟.
ثم أراد سليمان - صلوات الرحمن عليه وسلامه - أن يرسل رسولا إلى بلفيس فكتب كتابا هكذا: " بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين " ثم طبعه بالمسك وختمه بخاتمه، ثم قال للهدهد: { اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم } بحيث لم يتفطنوا بك وبأمرك { ثم تول } وانصرف { عنهم } وكن متواريا في قربهم { فانظر } وتأمل { ماذا يرجعون } [النمل: 28] أي: ماذا يرجع ويرد بعضهم بعضا من الكلام في المشاورة والمكالمة؟ فأخذ الهدهد الكتاب، وأتى بلقيس وهي نائمة في قصرها، فألقاه على نحرها، فلما استيقظت رأت الخاتم في نحرها، فرعدت وخضعت خوفا، ثم جلست مع أشراف قومها وتشاورت معهم في أمر الكتاب.
حيث { قالت } منادية مستفتية منهم: { يأيها الملأ إني ألقي إلي } اليوم { كتاب كريم } [النمل: 29] وصفته بالكرامة؛ لأنها نائمة في قصرها والأبواب مغلقة عليها، فرأت في صدرها هذا بلا إحضار محضر، كأنهم قالوا: ممن؟ وما مضمونه؟.
قالت: { إنه } أي: الكتاب مرسل { من سليمان وإنه } أي: مضمونه: { بسم الله الرحمن الرحيم } [النمل: 30].
{ ألا تعلوا } أي: عليكم ألا تترفعوا ولا تتكبروا { علي } ولا تبالوا ببسطكم وشوكتكم { و } لا يليق بشأنكم الإتيان على وجه الخضوع بلا كبر وخيلاء، وإذا انحضر أمركم على الإتيان { أتوني مسلمين } [النمل: 31] منقادين لأمر الله، مطيعين لحكمه وحكم رسوله بلا ممانعة وإباء.
صفحه نامشخص