{ كذلك } أي: أخرجناهم إخراجا كذلك بإحداث بواعث الخروج في نفوسهم وإزعاجهم إلى أن يخرجوا مضطرين { و } بعدما أخرجناهم عما أخرجناهم { أورثناها } أي: ما سمعت من المذكورات جميعها { بني إسرائيل } [الشعراء: 59] إنعامها لهم وامتنانا عليهم بما صبروا بظلمهم وأنواع أذياتهم.
وبعدما اجتمع الجيش من أطراف المدائن، وازدحموا على باب فرعون خرجوا خلفهم مسرعين { فأتبعوهم مشرقين } [الشعراء: 60] أي: وقت طلوع الشمس من المشرق.
{ فلما تراءى الجمعان } أي: تقاربا إلى أن رأى كل من الجمعين صاحبه { قال أصحاب موسى } مشتكين إليه، ميئوسين من الحياة بعدما رأوا من خلفهم جيشا لا يعد ولا يحصى، وعن أمامهم البحر الذي لا يمكن العبور عنه: { إنا لمدركون } [الشعراء: 61] ملحقون، يلحقنا العدو الآن وبعد فناؤنا في البحر.
{ قال } موسى ردعا لهم وإزالة لرعبهم: { كلا } أي: ارتدعوا عن هذا القول ولا تخافوا عن إداركهم { إن معي ربي سيهدين } [الشعراء: 62] ويلهمني إلى طريق النجاة والخلاص؛ إذ وعدني اليوم بالخلاص، فإن وعده حتم لا يخلف.
[26.63-74]
فصبر إلى أن قرب العدو، ووصل موسى على شاطئ البحر مضطرا مضربا { فأوحينآ إلى موسى } بأن قلنا له: { أن اضرب بعصاك البحر } فضربه على الفور { فانفلق } البحر، وافترق فرقا وقطع قطعا كثيرة { فكان كل فرق } بعد انفلاقه وانقطاعه { كالطود العظيم } [الشعراء: 63] أي: كالجبل الراسي المرتفع نحو السماء، الثابت في مقره بلا حركة وذهاب، وانفرج بين الفلق فرجا وسيعة فدخل على الفور موسى وقومه في الشعوب والفرج، كل سبط بشعب.
{ و } بعدما دخلوا في شعاب البحر المنغلق { أزلفنا } وقربنا { ثم الآخرين } [الشعراء: 64] أي: فرعون وقومه، وهم أيضا وصلوا على شاطئ البحر فرأوهم في شعابه على العبور، فاقتحموا أثرهم مطمعين النجاة مثلهم.
{ وأنجينا موسى ومن معه أجمعين } [الشعراء: 65] بأن حفظنا البحر على انغلاقه إلى أن عبروا سالمين من تلك الفررج.
{ ثم أغرقنا الآخرين } [الشعراء: 66] أي: فرعون وقومه جميعا بعدما دخلوا في تلك الفرج بإطباق البحر، وإفناء انفلاقه وافتراقه، واتصاله على الوجه الذي كان عليه.
{ إن في ذلك } الإنجاء والإغراق { لآية } دالة على كمال قدرة الله، ومتانة حكمته بالنسبة إلى ذوي البصائر والاعتبار، المشمرين ذيل الغناية والاهتمام نحو التفكر والتدبر في آثار أوصاف الفاعل المختار { و } لكن { ما كان أكثرهم } أي: ما أكثر الناس المجبولين على فطرة الاستدلال والاعتبار { مؤمنين } [الشعراء: 67] بالله وتوحيده وأسمائه حتى يتأملوا في آثار صفاته؛ ليستدلوا على ذاته.
صفحه نامشخص