[الإخلاص: 3-4] { من ولد } إذ هو من خواص الأجسام ولوازم الإمكان، وهو سبحانه منزه عنهما.
{ و } من جملة أكاذيبهم البالطة أيضا: إثبات الشريك له سبحانه مع أنه { ما كان } أي: ما صح وجاز أن يكون { معه من إله } شريكا يعبد بالحق مثله، ويستحق بالعبادة اسحتقاقا ذاتيا ووضعيا كما هو شأنه سبحانه { إذا } أي: حين كان الإله الواجب الوجود المستحق للعبادة متعددا كما زعم أولئك المبطلون { لذهب } وتميز { كل إله بما خلق } أوجد وأظهر، فيكون ملك كل منهما ممتازا عن الآخر، وإذا كان الإله متعددا أو المملكة ممتازة، لأمكن التغالب والتحارب ألبتة { ولعلا } أي: غلب وارتفع { بعضهم على بعض } هم بالقدرة والاستيلاء، فاحتل النظام المشاهد المحسوس، ولم يبق له انتظام وقيام { سبحان الله } وتعالى ذاته { عما يصفون } [المؤمنون: 91] به أولئك الجاهلون الغافلون عن علو شأ،ه من إثبات الولد له والشريك مع تعاليه، وتنزهه في ذاته عنهما وعن أمثالهما.
وكيف يكون له ولد ومعه شريك، وهو بذاته { عالم الغيب والشهادة } لا يعزب عن حيطة علمه شيء { فتعالى } سبحانه { عما يشركون } [المؤمنون: 92] أولئك المعاندون من أن يكون له ولد يشبهه أو شريك يماثله مع أخص أوصافه التي هي وجوب الوجود والعلم بالغيب والشهادة حضورا.
{ قل } يا أكمل الرسل مستعيذا بالله من شر ما سيلحق لأولئك المعاندين المبطلين: { رب } يا من رباني بمزيد اللطف والإحسان { إما تريني } أي: أن تحقق وتقرر عنك يا مولاي إراءتك إياي { ما يوعدون } [المؤمنون: 93] أولئك المسرفون المشركون من أشد العذاب والنكال في العاجل والآجل؛ ليكون بسبب عبرتي وتذكيري من أحوالهم.
{ رب فلا تجعلني في القوم الظالمين } [المؤمنون: 94] مقارنا لهم معدودا من عدادهم ملحقا بي ما سيلحقهم من أنواع العذاب الصوري والمعنوي، الدنيوي والأخروي.
{ و } قال سبحانه: { إنا على أن نريك ما نعدهم } من العذاب { لقادرون } [المؤمنون: 95] يعني: إنا قادرون على أن نريك العذاب الموعود إياهم في هذه النشأة، لكنا نؤخرهم ونمهلهم رجاء أن يؤمن بعضهم، أو يحصل منهم المؤمنون من نسلهم وذرياتهم.
وإذا كنا نمهلهم ونؤخر عذابهم لحكم ومصالح { ادفع } أنت أيضا يا أكمل الرسل { بالتي } أي: بالدلائل والشواهد التي { هي أحسن } من المقاتلة والمشاجرة { السيئة } التي هي ما هم عليها من الكفر والشرك، لعل دلائلك تلين قلوبهم وتصفيهم من المكابرة والعناد معك؛ إذ { نحن أعلم } منك { بما يصفون } [المؤمنون: 96] أي: يصفونك به، وينسبون إليك ما لا يليق بجانبك، وثق بنا وتوكل في جميع حالاتك علينا، واتخذنا وكيلا، وفوض أمر انتقامهم إلينا، فإنا نكفي عنك مؤنة شرورهم.
{ وقل رب } يا من رباني بكنفك وجوارك { أعوذ بك من همزات الشياطين } [المؤمنون: 97] ووساوسه وأنواع تسويلاته وتلبيساته { و } لا سيما { أعوذ } وألوذ { بك } يا { رب أن يحضرون } [المؤمنون: 98] عند توجهي نحوك،وتحنني إليك ومناجاتي معك، سيما في خلال صلاتي وعند تلاوتي وعرض حاجاتي.
والكافرون من غياة انهماكهم في الغفلة، ومصرون على ما هم عليه من الشرك والكفر { حتى إذا جآء أحدهم الموت } وعاين من أمارات النشأة الأخرى، تنبيه حينئذ يقبح صنائعه التي أتى بها في النشأة الأولى { قال } حينئذ متضرعا إلى الله نادما متمنيا متحسرا: { رب ارجعون } [المؤمنون: 99] بفضلك وجودك إلى النشأة الأولى.
{ لعلي } بعد رجوعي عملا { أعمل صالحا } مصلحا { فيما تركت } وأفسدت من أمور الإيمان والإطاعة والانقياد { كلا } ردع له عن هذا السؤال والدعاء، ومنع له عن أنجاح سؤله { إنها } أي: طلب المراجعة { كلمة هو قآئلها } من غاية الحسرة والندامة على ما فات عنه في الابتلاء { و } كيف يرجع إليها؛ إذ { من ورآئهم } أي: أمامهم وقدامهم { برزخ } أي: حجاب مانع يمنعهم عن الرجوع { إلى يوم يبعثون } [المؤمنون: 100] يعني: لا يمكنهم الرجوع إلى دار الدنيا والحياة يها إلا الحياة في يوم البعث والجزاء.
صفحه نامشخص