[23.52-63]
{ و } إذا علمتم أن مناط أمركم في عملكم المقربة إلى ربكم على وجه الإخلاص والخضوع، فعليكم بأجمعكم أن تداوموا وتلازموا عليها { إن هذه } الطريقة المعهودة المذكورة لكم من ربكم { أمتكم } أي: قدوتكم وقبلتكم، موصلة إلى توحيد ربكم لذلك صارت { أمة واحدة } لا تعدد فيها ولا اختلاف أصلا، وإن كانت جهاتها مختلفة متعددة بحسب اختلاف الشرائع والأديان على مقتضى الأعصار والأزمان { وأنا ربكم } الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر، الذي لا أكون عرضة للتعدد والكثرة أصلا { فاتقون } [المؤمنون: 52] عن أخذي وبطشي ومتقضيات جلالي وقهري؛ إذ لا ملجأ لكم غيري.
ومع ذلك { فتقطعوا أمرهم بينهم } أي: دينهم الواحد وملتهم الواحدة { زبرا } قطعا مختلفة وأحزابا متفاوتة ومللا متخالفة، يدعي كل منهم حقية دينه وملته، فصار { كل حزب } منهم { بما لديهم } من الدين والملة { فرحون } [المؤمنون: 53] مسرورون معجبون.
{ فذرهم } بعدما تحزبوا وانحرفوا عن التوحيد وانصرفوا عن جادته، واتركهم على حالهم يعمهون { في غمرتهم } أي: جهلهم وغوايتهم { حتى حين } [المؤمنون: 54] أي: حين انكشاف الغطاء عن بصائرهم والعماء عن أبصارهم فعاينوا العذاب، ولم يمكنهم رده والنجاة منه فيهلكوا صاغرين.
{ أيحسبون } ويعتقدون أولئك الضالون المنهمكون في بحر الغفلة والضلال { أنما نمدهم به } ونعطيهم إمدادا لهم وإعانة عليهم { من مال } مله لنفوسهم ومشغل لقلوبهم { وبنين } [المؤمنون: 55] يستعبدون نفوسهم ويسترقون أعناقهم.
{ نسارع } ونبادر { لهم في } نيل { الخيرات } تفضلا منا إياهم؛ لذلك يباهون ويفتخرون بها، ويتفرقون على من دونهم لأجلهما { بل } هو استدراج منا إياهم، وإمهال لهم كي يحصلوا أسباب أشد العذاب وأسوأ العقوبات، ويستحقوا بواسطتها أسفل دركات النيران { لا يشعرون } [المؤمنون: 56] الاستدراج من الكرامة، فحلموا عليها وبأهوائها، فيسعلمون مصيرهم ومنقلبهم إلى أين.
ثم قال سبحانه: { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } [المؤمنون: 57] خائفون حذرون متحرزون.
{ والذين هم بآيات ربهم } النازلة على رسله { يؤمنون } [المؤمنون: 58] يصدقون ويذعنون.
{ والذين هم بربهم لا يشركون } [المؤمنون: 59] بل يستقلونه بالوجود ولا يثبتون لغيره وجودا، ولا يسندون الحوادث إلى الأسباب العادية بل يسندون كلها إليه أولا، وبالذات.
{ والذين يؤتون مآ آتوا } من الأعمال والصدقات ومطلق الحسنات { وقلوبهم } في حال إتيانها { وجلة } خائفة مستوحشة بسبب { أنهم إلى ربهم راجعون } [المؤمنون: 60] بهذه الأعمال والحسنات، هل يقبل منهم أو يرد عليهم، وهم دائا بين الخوف والرجاء خائفون عن قهره، راجون من لطفه.
صفحه نامشخص