{ و } بالجملة: { لا تحزن } يا موسى في حال من الأحوال، فأنا رقيبك من جميع ما يضرك ويؤذيك، ومعينك وناصرك على جميع ما أمرتك { و } اذكر أيضا امتنانا عليك وتذكر أيضا وقت إذ { قتلت نفسا } أي: شخصا من آل فرعون، فهموا بقتلك قصاصا، وخفت منهم ومن العقوبة الأخروية أيضا؛ لأنك قتلت نفسا بلا رخصة شرعية، وتحزنت لشناعة فعلك وخوف عدوك حزنا شديدا { فنجيناك من الغم } وأزلنا حزنك الأخروي بقبول توبتك ورجوعك عن فعلك نادما مخلصا، والدنيوي بإخراجك عن يارهم وإبعادك عنهم.
{ وفتناك } وابتليناك أيضا بعدما أخرجناك من بينهم { فتونا } أي: ابتلاء واختبارا كثيرا من الجوع والعطش وضلال الطريق ووحش الغربة وكربة الوحدة وضيق الصدر والكآبة وتحمل مشاق السفر ومتاعبه، حتى تستعد لقبول الإرشاد والتكميل.
ثم بعدما اختبرناك بأمثال هذه الشدائد، أوصلناك وهديناك إلى مدين للاسترشاد والاستكمال { فلبثت سنين } أي: ثماني أو عشر سنين { في أهل مدين } عند نبينا وخليفتنا الكامل المكمل - وهو شعيب عليه السلام - لتسترشد منه، وتستكمل من شرف صبحته، وتتخلق بأخلاقه { ثم } بعد لبثك فيهم مدة، واستكمال من الرشد الكامل { جئت على } وطنك المألوف على { قدر } أي : مقدار عظيم من الكشف والشهود وفوق ما يحصل بالكسب والاجتهاد بل من لدنا { يموسى } [طه: 40] تفضلا وإحسانا.
وكيف لا يكون كذلك { و } قد { اصطنعتك } أي: اجتبيتك وانتخبتك من بين المكاشفين { لنفسي } [طه: 41] لتكون خليفتي ونائبي ومولي أمري وحامل أسراري.
وإذا أخترتك للرسالة: { اذهب أنت } أصالة { وأخوك } تبعا لك { بآياتي } ومعجزاتي الدالة على تصديقي لكما وتقويتي لرسالتكما { ولا تنيا } أي: لا تفترا أو لا تضعفا { في } تبليغ { ذكري } [طه: 42] المشتمل على الأوامر والنواهي اغترارا وخوفا.
بل { اذهبآ } بأمرنا مسرعين { إلى فرعون } المبالغ في التجبر والتكبر من غير مبالاة والتفات بعظمته وشوكته { إنه طغى } [طه: 43] علينا، ولا عبرة بعظمة الطغاة.
وإذا ذهبتما إليه: { فقولا له } تلطفا ورفقا كما هو دأب المرسلين { قولا لينا } رجاء أن يلين قلبه عن صلابة الفساد، وبعد الأداء على وجه التليين والتلطف { لعله يتذكر } الفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها، فصدقكما وآمن بدينكما { أو يخشى } [طه: 44] من نزول العذاب بدعائكما.
{ قالا } خوفا من فرعون وأعوانه على مقتضى بشريتهما ملتجئين إلينا: { ربنآ } وإن ربتنا بحولك وقوتك وأيدتنا بآياتك { إننا } من ضعف بشريتنا { نخاف أن يفرط علينآ } بالعقوبة والقتل { أو أن يطغى } [طه: 45] لك بما لا يليق بجنابك.
{ قال } سبحانه: { لا تخافآ } من إفراطه وطغيانه { إنني معكمآ } عند أدائكما الرسالة { أسمع } أقواله { وأرى } [طه: 46] أفعاله، فإذا أفرط عليكما أقدر على منعه وزجره.
{ فأتياه } مجترئين عليه من غير مبالاة بعظمته وشوكته { فقولا إنا رسولا ربك } الذي رباك بالعزة وأنواع الكرامة، وأبقاك بها إمهالا لك إلى تتكبر عليه باستكبارك على عباده، وإذا ظهر كبرك الآن أرسلنا إليك أيها المتكبر المتجبر؛ لترسل معنا خواص عباده الذين عندك وتحت قهرك وغلبتك إنجاء لهم من استكبارك وطغيانك عليهم.
صفحه نامشخص