روى سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه لما نزلت:
تبت يدآ أبي لهب وتب
[المسد: 1] جاءت امرأته بحجر لترضخ به رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس مع أبي بكر رضي الله عنه، فسألت: أين صاحبك، لقد بلغني أنه هجاني؟ فقال أبو بكر: ما نطق صاحبي بالشعر، ثم قال أبو بكر: ما رأتك يا رسول الله، فقال: صلى الله عليه سلم
" لم يزل ملك بيني وبين أعدائي، أنا أراهم ولا يرونني ".
{ و } كيف لا يكون الكافر محجوبا مستورا عن سرائر القرآن ومرموزاته؛ إذ { جعلنا } أي: غطينا { على قلوبهم أكنة } غشاوة كثيفة تمنعهم { أن يفقهوه } ويفهموا معناه { و } جعلنا { في ءاذانهم وقرا } أي: حمما وثقلا، يمنعهم عن استماع ألفاظه حتى يتأملوا ويتدبروا في معناه { و } من غلظ غشاوتهم، وكثافة أكنتهم { إذا ذكرت ربك في القرءان وحده } منفردا، بلا ذكر آلهتهم { ولوا على أدبرهم } معرضين كارهين { نفورا } [الإسراء: 46] متنفرين ساخطين عليك؟!.
ولا تبال يا أكمل الرسل بهم، وبسماعهمه واستماعهم وعدمه، ولا تلتفت نحوهم؛ إذ { نحن أعلم بما يستمعون به } أي: يفرضون المتعلق باستماعهم الذي هو الاستهزاء والسخرية، وقت { إذ يستمعون إليك و } كيف لا يكونون مستهزئين مستسخرين { إذ هم } حين استماعهم كلامك { نجوى } أي: ذوو مناجاة، يضمرون في نفوسهم مقتك وهلاكك، وأقله الاستهزاء معك؟! اذكر { إذ يقول الظالمون } منهم على سبيل العناد والمكابرة لأهل العدل والتوحيد: { إن تتبعون } أي: ما تتبعون أيها الضالون { إلا رجلا مسحورا } [الإسراء: 47] سحر به فجن، فاختلط كلامه، وذهب عقله، وتكلم من تلقاء نفسه كلاما يشبه كلام العقلاء.
{ انظر } أيها الناظر بنور الله، المؤيد من عنده { كيف ضربوا لك الأمثال } الحشو والبتراء من غاية اضطرابهم وتهالكهم، مرة يقولون: إنك شاعر، ومرة: ساحر، ومرة: كاهن، ومرة: مجنون { فضلوا } عن طريق الحق في جميع ما نسبوا إليك، وإلى ما جئت به من الكلام المعجز في أعلى مراتب الإعجاز { فلا يستطيعون } إلى مقتلك وقدح كتابك { سبيلا } [الإسراء: 48] واضحا موجها، بل خبطوا في جميع ما نسبوا خبط عشوا، فضلوا عن السبيل السواء.
{ و } من غاية انهماكهم في الغي والضلال، ونهاية إنكارهم بحقية القرآن { قالوا } مستبعدين متعجبين على سبيل التهكم والاستهزاء { أءذا كنا عظاما } أي: أنبعث ونحيي بعدما صرنا عظاما بالية رميمة { ورفاتا } أي: غبارا مرفوتا، تذروه الرياح { أءنا لمبعوثون } محشورون من قبورنا { خلقا } آخر { جديدا } [الإسراء: 49] معادا للخلق الأول، لا مثلا له، بل عينا، بلا مغايرة أصلا، كلا وحاشا، من أين لنا هذا؟!.
[17.50-58]
{ قل } يا أكمل الرسل في جوابهم تبكيتا لهم والزاما: لا تستبعدوا أيها الضالون المعاندون أمثال هذا البعث والحياء عن قدرة الله في الأشياء التي عهدوا حياتهم من قبل؛ إذ لا بعد ولا غرابة فيها، بل { كونوا حجارة } أبعد بمراحل عن قبول الحياة { أو حديدا } [الإسراء: 50] هو أشد بعدا.
صفحه نامشخص