265

{ و } لذلك { أتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } أي: صاروا متبوعين للطرد والتخذيل في النشأة الأولى والأخرى { ألا } تنبهوا يا أولي الأبصار والاعتبار { إن عادا } المعاندين { كفروا ربهم } نعمه وجحدوا توحيده { ألا بعدا } طرد وتخذيلا وتبعيدا عن ساحة عز احضور { لعاد قوم هود } [هود: 60] أردفه بعطف البيان للتمييز عن عاد إرم.

{ و } بعدما انقرضوا وانقهروا بما انقهروا أرسلنا { إلى ثمود } حين ظهروا بالكفر والشقاق والانصراف عن منهج الرشاد باتخاذ الأوثان آلهة { أخاهم صالحا } لأنه أولى وأليق لإرشادهم وإهدائهم { قال يقوم اعبدوا الله } الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي { لم يكن له كفوا أحد } [الإخلاص: 4] ولا تشركوا به شيئا؛ إذ { ما لكم من إله } موجد مظهر لكم من كتم العدم { غيره } بل { هو } بذاته وأسمائه وأوصافه الذاتية والفعلية { أنشأكم } وأظهركم { من الأرض } بامتداد أظلال أسمائه ورش نوره { و } بعدما أظهرمك منها { استعمركم } واستبقاكم { فيها } ورباكم بأنواع اللطف والكرم عليها { فاستغفروه } واسترجعوا إليه على ما فرطتم في حقه { ثم توبوا إليه } مخلصين نادمين عسى أن يقبل منكم ويعفو عن زلاتكم { إن ربي قريب } لكم يعلم توبتكم وإخلاصكم فيها { مجيب } [هود: 61] يجيب دعوتكم ويعفو زلتكم.

{ قالوا } بعدما سمعوا دعوته وتذكيره: { يصالح قد كنت فينا مرجوا } أي: مستشارا ومؤتمنا، واعتقدناك سيدا ذا رشد { قبل هذا } الزمان فالآن صرت أخرق { أتنهانآ أن نعبد ما يعبد آباؤنا } أي: نهيتنا عن عبادة معبودات آبائنا { و } الحال أنه { إننا لفي شك } وتردد عظيم { مما تدعونآ إليه } من توحيد الإله المعبود بالحق وإبطال آلهتنا التي وجدنا آباءنا لها عابدين، { مريب } [هود: 62] ذي ريبة منتهية إلى كمال الارتياب، مع أنك لم تأت ببينة معجزة تلجئنا إلى تصديقك.

[11.63-68]

{ قال يقوم أرأيتم } أي: أخبروني { إن كنت } جئت لكم ملتبسا { على بينة } واضحة دالة على صدق ما ادعيت نازلة { من } عند { ربي } لتصديقي وتأييدي { و } الحال أني قد { آتاني منه رحمة } نبوة ورسالة تامة، مؤيدة بأنواع المعجزات { فمن ينصرني } ويمنعني { من } عذاب { الله إن عصيته } في تبليغ رسالته وإظهار ما أمرني بظهوره وأوصاني بنشره { فما تزيدونني } حين ابتلائي وأخذ الله إياي بعصياني { غير تخسير } [هود: 63] على تخسير وتخذيل على تخذيل.

{ و } بعدما آيس عن إيمانهم قال: { يقوم هذه ناقة الله لكم آية } دالة على صدقي في دعواي وتأييد الله إياي { فذروها تأكل في أرض الله } مسلمة بلا منع وإباء { ولا تمسوها بسوء } لأجل الماء والكلأ { فيأخذكم } ويلحقكم بعدما أصبتموها بسوء { عذاب قريب } [هود: 64] أجله وحلولهن، وبعدما ظهرت الناقة بين أظهرهم وأكلت كلأهم وشربت ماءهم فتضروا منها وشاوروا في أمرها وتقرر رأيهم إلى قتلها { فعقروها } وهلوكها ظلما وزورا { فقال } صالح بعدما وقع الواقعة الهائلة: { تمتعوا في داركم } أي: عيشوا فيها بعدما خالقتم حكم الله وآتيتم بما نهيتم { ثلاثة أيام } الأربعاء والخميس والجمة، فوادعوا فيها وتوادعوا، واعلموا أن { ذلك وعد } أوحي إلى من ربي { غير مكذوب } [هود : 65] أي: غير منسوب إلى الكذب، بل مصدق متيقن فلا تشكوا.

{ فلما جآء أمرنا } بالعذاب المهلك بعد انقضاء الأيام الثلاثة التي ظهرت فيها علاماته من اصفرار في وجوههم في اليوم الأول، واحمرارها في الثاني، واسودادها في الثالث { نجينا } من فضلنا وجودنا { صالحا } الذي صلح نفسه وأصلح نفوسهم، فمل يقبلوا إصلاحه، بل أفسدوها بأنفهسم { و } نجينا أيضا منهم { الذين آمنوا معه } وصلحوا بإصلاحه { برحمة } نازلة { منا } على قلوبهم؛ ليوفقوا بها على قبول دعوته والإيمان به، وبسبب إيمانهم نجوا من خزي النشاة الأخرى { ومن خزي يومئذ } أيضا { إن ربك } يا أكمل الرسل الموفق لهم على الإيمان والإذعان { هو القوي } المحصور على القوة والقدرة؛ إذ لا حول ولا وقة إلا به { العزيز } [هود: 66] الغالب على إمضائه وإنفاذه حيث أراد وشاء.

{ و } بعدما أنجاهم الله بلطفه { أخذ الذين ظلموا } أنفسهم بالعتو والفساد { الصيحة } الهائلة التي وعدها الله لإهلاكهم { فأصبحوا } بعدما سمعوا الصيحة في أثناء الليل { في ديارهم } التي صاروا متمتعين فيها { جاثمين } [هود: 67] جامدين ميتين.

{ كأن لم يغنوا } ولم يسكنوا { فيهآ } أصلا، ونادى عند وقوع الواقعة الهائلة أصحاب الاعتبار والاستبصار: { ألا إن ثمود كفروا ربهم } بكفران نعمه وتكذيب رسله { ألا بعدا لثمود } [هود: 68] ع سعة رحمة الحق في النشأة الأولى والأخرى.

وبعدما انقرض أولئك الهالكون حدث بعدهم قوة لوط المبالغون في الغفلة القبيحة غقلا ونقلا، المصرون عليها إلى أن أخذناهم بما أخذناهم.

صفحه نامشخص