223

{ الذين آمنوا } أي: تحققوا بمرتبة اليقين العلمي بتوحيد الله { وهاجروا } عن بقعة الإماكن طالبين مرتبة أعلى منها { وجاهدوا في سبيل الله } وطريق توحيده { بأموالهم } أي: يبذل ما نسب إليهم من أمتعة الدنيا العاتقة عن الوصول إلى فضاء الوحدة { وأنفسهم } بمنعها عن مشتهياتها ومقتضياتها، ظالبين إفناء أنانياتهم وهوياتهم في هوية الحق { أعظم درجة عند الله } وأعلى منزلة ومرتبة ما داموا سالكين سائرين { و } بعد وصولهم وانقطاع سلوكم { أولئك } السعداء الواصلون { هم الفائزون } [التوبة: 20] بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

لذلك { يبشرهم ربهم } أي: باستعدادتهم الكامنة في عالم الأسماء والصفات { برحمة } غير منقطعة، نازلة { منه } سبحانه { ورضوان } كلت الألسن عن تفسيره وانحسرت العقول عن التعبير عنه { وجنات } منتزها متجددات حسب تجددات التجليات الحبي ة { لهم فيها } أي: في تلك الجنات المتجددات { نعيم } أي: إمداد وفواتح { مقيم } [التوبة: 21] دائم غير منقطع.

{ خالدين فيهآ أبدا } مؤبدا لا تأبيد أمد وزمان، وبالجملة: { إن الله } المتجلي على قلوب خلص عباده { عنده أجر عظيم } [التوبة: 22] لهم، بحسب استعداداتهم وقابلياتهم بعدما انكشفوا.

[9.23-24]

{ يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم: الاجتناب عن أهل الغفلة والغرور؛ حتى لا يسري ضلالهم إليكم، سيما أقرباؤكم النسبية { لا تتخذوا } أيها المهاجرون { آبآءكم وإخوانكم أوليآء إن استحبوا } واختاروا { الكفر } والشرك { على الإيمان } والتوحيد { ومن يتولهم منكم } بد ورود النهي { فأولئك } المتخذون المضلون الضالون { هم الظالمون } [التوبة: 23] المتجاوزون عن مقتضى حكم الكله ونهيه.

{ قل } يا أكمل الرسل للمؤمنين الذين يقصدون موالاة أنسابهم: { إن كان آباؤكم وأبنآؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم } أي: أقاربكم وذووا أرحامكم { وأموال اقترفتموها } أي: اكتسبتموها بأيدكم { وتجارة تخشون كسادها } لمضي وقت ربحها ونمائها { ومساكن } طيبة { ترضونهآ } أي: ترضى بها نفسوكم، وتطيب بها قلوبكم { أحب إليكم من الله } المحبوب في قلوب أوليائه { ورسوله } الذي هو حبيبه وخليله { و } من { جهاد } هو عبارة عن الاجتهاد { وجهاد في سبيله } لتفوزوا بشرف الوصول والشهود { فتربصوا } أي: فعليكم أن تتربصوا وتنتظروا { حتى يأتي الله } المنتقم من المتخذين لغيرهم أولياء { بأمره } الموجب لعذابه { والله } الهادي لعباده { لا يهدي القوم الفاسقين } [التوبة: 24] الخارجين عن مقتضى ولائه وولايته.

[9.25-27]

اذكروا أيها المؤمنون { لقد نصركم الله } الحفيظ الرقيب عليكم { في مواطن } ومواقع { كثيرة } حين لا ينفعكم أحسابكم وأنسابكم شيئا، لا سيما في حرابكم مع هوازن وثقيف { ويوم حنين } هو وادس بين مكة والطائف { إذ أعجبتكم كثرتكم } أن تكونوا مغلوبين؛ إذ أنتم اثنا عشر ألفا، وعدوكم أربعة آلاف { فلم تغن } حينئذ كثرتكم { عنكم شيئا } من غلبة العدو مع قلتهم { و } صرتم من غاية رعبكم وخوفكم إلى حيث { ضاقت عليكم الأرض بما رحبت } أي: مع وسعتها فلم تجدوا فيها مقرا تمكنون عليها من غاية رهبتكم { ثم } أدى أمركم وخوفكم إلى أن { وليتم } ورجعتم { مدبرين } [التوبة: 25] صائرين ظهركم على العدو.

{ ثم } بعد انهزامكم وإدباركم { أنزل الله } المولي لأموركم { سكينته } أي: رحمته الموجبة للقرار والوقار، والطمأنينة { على } قلب { رسوله وعلى } قلوب { المؤمنين } الذين تمكنوا معه، واستقروا حوله؛ اتكالا على الله وإتفاقا مع رسوله صلى الله عليه وسلم { و } بتثبيت الرسول وتقرير من تبعه { أنزل } سبحانه نصرة لنبيه من الملائكة { جنودا } مجندة { لم تروها } عيونكم { وعذب الذين كفروا } ينزولها عذابا شديدا من القتل والأسر والإذلال في النشأة الأولى والأخرى بأضعافها { وذلك } أي: ما لحقهم من أنواع الإذلال { جزآء الكافرين } [التوبة: 26] المحاربين مع الله ورسوله.

" روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بعد فتح مكة، ثم توجه نحو حنين؛ لقتال هوازن وثقيف مع عشرة آلاف من المهاجرين وألفين من الطلقاء، وكان العدو أربعة آلاف فأعجب المسلمين كثرتهم، فلما التقوا، فقالوا: لن نغلب اليوم؛ لأن العدو في غاية القلة فكره الله قولهم وإعجابهم هذا، فاقتتلوا قتالا عظيما فغلب العدو عليهم، فولوا منهزمين فبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرذمة قليلة فأراد أن يقتحم على العدو، وذلك عند نزول الملائكة، فقال: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، الآن حمي الوطيس " أي: التنور.

صفحه نامشخص