204

[7.201-203]

ثم قال سبحانه تذكيرا لنبيه وعظة: { إن الذين اتقوا } من عبادنا كانوا { إذا مسهم } واستولى عليهم { طائف } خاطر يطوف حول قلوبهم { من } قبل { الشيطان تذكروا } ما أمروا به ونهوا عنه من عند الله { فإذا هم } بتذكير المأمور والمنهي { مبصرون } [الأعراف: 201] مميزنون مواقع الخطأ فيحترزون منها، ويتعوذون إلى الله عما يغريهم إليه.

{ و } الذين لم يتقوا، بل هم { إخوانهم } أي: إخوان الشياطين، إذا مسهم ما مسهم لا يتأتى بهم التذكر ولم يوفقوا عليه، بل { يمدونهم } أي: الشياطين بالتزيين والتحسين، والوسوسة والإغواء إلى أن يوقعوا بهم { في الغي } والضلا ل { ثم } بعد الإيقاع فيه { لا يقصرون } [الأعراف: 202] بلا يبالغون في إغوائهم وإغرائهم إلى حيث يردونهم بحال لا يرجى لهم الفلاح أصلا.

و { و } من غاية انهماكهم في الغي والضلال، ونهاية غراقتهم فيه { إذا لم تأتهم } يا أكمل الرسل { بآية } اقترحوها منك، عنادا { قالوا } على سبيل التهكم والاستهزاء: { لولا اجتبيتها } أي: هل انتخبتها من الأقوال وأنشأئها كسائر منشآتك، أعجزت فيها؟ فإن أعجزت لم لم تطلبها من ربك على مقتضى دعوانك، كما طلبت غيرها منه؟

{ قل } في جوابهم: ما أنا مختلق، بل رسول مبلغ إنمآ أتبع ما يوحى إلي من ربي { } الذي هو مرسلي ومبلغي، ما لي صنع في نظمه وتأليفه، وبلاغته وفصاحته وإعجازه، بل { هذا } أي: القرآن وما فيه من الرموز والإشارات { بصآئر } للمستبصرين المستكشفين بمقتضى الودائع الفطرية التي أودعها الله في قلوب عباده، ومتى انكشفتهم بودائعكم علمتم أنها { من ربكم وهدى } يوصلكم إلى ما جبلتم لأجله، وهو التوحيد والعرفان { ورحمة } نازلة لكم من الله يوفظكم عن نومه الغفلة والنسيان، كل ذلك { لقوم يؤمنون } [الأعراف: 203] أي: يتحققون بمرتبة اليقين العلمي، ويطلبون الترقي منها إلى العين والحق.

حققنا بلطفك بحقيتك، وخلصنا من هويتنا الباطلة بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

[7.204-206]

{ و } بعدما سمعتم من أوصاف القرآن ما سمعتم { إذا قرىء القرآن } عندكم أو قرأتم أنتم { فاستمعوا له } عن صميم قلوبكم، وتأملوا في معناه بقدر وسعكم وطاقتكم { وأنصتوا } أي: اسكتوا وأعرضوا عن مقتضيات سائر قواكم، ولا تلتفتوا إليهاأصلا { لعلكم ترحمون } [الأعراف: 204] تنكشفون وتتحققون بما في نفسوكم من ودائع الله بسببه.

ثم خاطب سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم؛ لأن أمثال هذه الخطابات لا يسع إلا في وسعه وقابليته، فقال: { واذكر } أي: تذكر وتحقق { ربك } الذي أظهرك على صورته { في نفسك } إذ أنت ظاهره { تضرعا وخيفة } متضرعا متجنبا، خائفا عن غفلة الناسوت { ودون الجهر من القول } إخفاء من المحجوبين الجاهلين برتبتك، وغيرة عليه سبحانه { بالغدو والآصال } أي: بجميع أوقاتك التي جرى عليك على مقتضى بشرتيك { و } بالجملة: { لا تكن من الغافلين } [الأعراف: 205] لتحققك في مقام الشهود.

{ إن الذين } حصلوا وتمكنوا { عند ربك لا يستكبرون عن عبادته و } لا يلتفتون إلى ما سواه، بل { يسبحونه } أي: ينزهونه ويقدسونه عما يصور لهم ويوهمهم منه سبحانه ناسوتهم { وله يسجدون } [الأعراف: 206] بمقتضى لاهوتهم منسلخين عن هوياتهم الباطلة بلا التفات منه إلى ما خيلتهم ناوستهم أصلا.

صفحه نامشخص