199

{ و } نقض العهود والمواثيق، والإعراف عن التكاليف والمشاق ليس مما يختص هؤلاء المعرضين، بل من الديدنة القديمة لبني آدم وقت { إذ أخذ ربك } يا أكمل الرسل { من بني ءادم } حيث أخرجهم { من ظهورهم } من ظهور آبائهم وأصلابهم على التوليد المتعارف { ذريتهم } أي: أولادهم بطنا بعد بطن { وأشهدهم } أي: أحضرهم وأطلعهم { على أنفسهم } أي: أرواحهم الفائظة لهم، المنفوخة فيهم من روحنا، ثم قلنا لهم بعدما شهدوا منشأهم وعلموا أصلهم: { ألست بربكم } الذي أوجدكم وأظهركم من كتم العدم بنفخ روحي فيكم؟

{ قالوا } بألسنة استعداداتهم: { بلى شهدنآ } بعدما أشهدتنا أنت ربنا، لا رب لنا سواك، ولا مظهر لنا غيرك فأخذ سبحانه منهم الميثاق حينئذ، وإنما أخذ منهم الميثاق على هذا؛ كراهة { أن تقولوا } على سبيل المجادلة والمراء حين أخذهم { يوم القيامة } بجرائمهم الصادرة عنهم، المقتضية لنقض العهد: { إنا كنا عن هذا } أي: عن ربوبيتك واستقلالك فيها { غافلين } [الأعراف: 172] غير عاليمن بها ولا منبهين عليها.

{ أو تقولوا } لو لم يأخذ سبحانه العهد من جميعهم: { إنمآ أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية } ضعافا { من بعدهم } فنقلدهم { أفتهلكنا } وتأخذنا يا ربنا { بما فعل المبطلون } [الأعراف: 173] أي: بفعل آبائنا ا لذين أشركوا بك، مع أنا لم نكن حينئذ من أصحاب الرأي؟! وأخذك بجرائمهم ظلم علينا؛ لذلك أخذ سبحانه الميثاق من جميع بني آدم؛ حتى لا يبقى لهم حجة عليه سبحانه.

{ وكذلك نفصل } نبين ونوضح على وجه الخصوص والعموم { الآيات } الدالة على توحيدنا على اليهود { ولعلهم يرجعون } [الأعراف: 174] رجاء أن يتنبهوا فيرجعوا نحونا، ومع ذلك لم يرجعوا ولم يتنبهوا أصلا.

[7.175-178]

{ و } بعدما بالغوا في الإعراض والإنكار { اتل عليهم } أي: على اليهود يا أكمل الرسل { نبأ } قصة الشخص { الذي ءاتيناه } علم { ءاياتنا } العظام وأسمائنا الكرام حتى قدر وتمكن بسببها على أي شيء أراد، فأعرض عنا بمتابعة الهوى كهؤلاء الغواة { فانسلخ منها } أي: تجرد وعري من شرائف الآيات انسلاخ الحية من جلدها { فأتبعه الشيطان } أي: تابعا { فكان } بمتابعة { من الغاوين } [الأعراف: 175] المنهمكين في الضلال بحيث لا يرجى هدايته أصلا كهؤلاء اليهود.

{ ولو شئنا } أي: تعلق مشيئتنا؛ لإهدائه إلى أقصى غايات التوحيد وأعلى مرابته { لرفعناه بها } أي: بتلك الآيات { ولكنه } لم يتعلق؛ لذلك { أخلد } أي: انخفض ومال { إلى الأرض } الأنزل الأرذل { واتبع هواه } لينزل عليها، ومع ذلك يتمسك بها وأراد أن يتشبث بمقتضاها { فمثله } في هذا التمسك والتشبث { كمثل الكلب إن تحمل عليه } حملا موجبا؛ لإلهائه واندلاع لسانه { يلهث } يخرج لسانه بسببه { أو تتركه } خفيفا ولم تحمل عليها ما يوجب إلهائه { يلهث } أيضا؛ لرسوخ الديدنة القبيحة في ذاته { ذلك } الكل بعينه { مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص } يا أكمل الرسل لليهود { القصص } المذكورة { لعلهم يتفكرون } [الأعراف: 176] ويتأملون فيما هم عليه من الإعراض والإنكار فيتنبهوا على صبح صنعيهم، وسوء فعالهم مع الله.

قيل: ذلك هو بلام بن باعوراء، وقصته مشهورة، وقيل: أمية بن الصلت كان قد قرأ اكتر المنزلة ووجد فيها وصف النبي صلى الله عليه وسلم، ورجا أن يكون هو، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد وكفر وكان من الغاوين.

{ سآء مثلا القوم } أي: بئس المثل مثل القوم { الذين كذبوا بآياتنا } وأعرضوا عنها منكرين عليها { وأنفسهم كانوا يظلمون } [الأعراف: 177] أي: وما يظلمون بالإعراض والإنكار إلا أنفسهم؛ إذ عاد عليهم وباله ونكاله، ولكن لا يشعرون؛ لفساد قلوبهم وخبث طينتهم.

{ من يهد الله } بأن يوفقه على إسماع كلمة الحق { فهو المهتدي } إلى توحيده { ومن يضلل } بأن يضله عن سبيله بإنكار آياته وتكذيب رسله { فأولئك } البعداء والضالون { هم الخاسرون } [الأعراف: 178] المقصورون على الخسران، لا يرجى ربحهم وهدايتهم أصلا.

صفحه نامشخص