[7.32-35]
{ قل } يا أكمل الرسل للمحجوبين من أهل المظاهر المحرومين عن الرزق المعنوي، المحرومين عن التوجه نحو التوحيد في هذه النشأة: { من حرم زينة الله التي أخرج } وأظهر { لعباده } الخلص من ذرائر الكائنات بتجليات الأسماء والصفات { والطيبات من الرزق } المعنوي والمستلذات الروحانية { قل } لهم: { هي } حاصلة { للذين آمنوا } بالتوحيد الإلهي { في الحياة الدنيا } والنشأة الأولى حال كونهم مشوبة بالقوى البشرية والكدورات البهيمية { خالصة } لهم { يوم القيامة } بلا شوب كدورة حين انخلعوا من جلباب الهويات الباطلة والتعيينات العاطلة { كذلك نفصل الآيات } الدالة على توحيدنا { لقوم يعلمون } [الأعراف: 32] يذعنون بالإيمان وتوجهون نحو الكشف والعيان .
{ قل } يا أكمل الرسل المولي لتدبير مصالح العباد: { إنما حرم ربي الفواحش } القبائح الصادرة من أولي الأحلام السخيفة { ما ظهر منها } من الظلم وشهادة الزور ورمي المحصن والغيبة والنميمة، وغيرها من القبائح التي ظهرت من الألسنة والأيدي { وما بطن } من القبائح التي صدرت من الفروج { و } بالجملة: كل ما يوجب { الإثم } المستلزم للانتقام والعقاب { والبغي } أي: الحروب على الولاة وجمهور المسلمين { بغير الحق } بلا رخصة شرعية { و } أعظم المحرمات جرما وأشدها انتقاما { أن تشركوا بالله } المتوحد بذاته { ما } أي: شيئا من مصنوعاته مع أنه { لم ينزل به سلطانا } حجة وبرهانا { وأن تقولوا على الله } افتراء ومراء { ما لا تعلمون } [الأعراف: 33] له، لا عقلا ولا نقلا.
{ و } اعلموا أن { لكل أمة } من الأمم العاصية الضالة { أجل } مقدر من عند الله لمقتهم وهلاكهم { فإذا جآء أجلهم } المقدر المبرم { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [الأعراف: 34] أي: لا يسع لهم فيه طلب التأخير على مقتضى أهويتهم ولا طلب التقديم تخليصا لنفوسهم من الأذى، بل أمرهم حتم نازل في وقته وحينه بلا تخلل تقدم وتأخير؛ لكمال قدرته ومتانة حكمته.
{ يابني ءادم } المستكملين القابلين للإرشاد والتكميل المستعدين لفيضان كمال التوحيد { إما يأتينكم } أي: أن يأتينكم ويرسلن إليكم { رسل منكم } من جنسكم وبني نوعكم؛ إذ هم أدخل لنصحكم وإرشادكم وأنسب لجذب قلوبكم، وأشفق عليكم من الأجانب حال كونهم { يقصون عليكم آياتي } المنزلة من عندي، الدالة على وحدة ذاتي فعليكم أن تصدقوهم ونؤمنوا لهم وبما جاءوا به من عندي من الأوامر والنواهي { فمن اتقى } منكم عن محارم الله بواسطة رسله وآياته { وأصلح } أي: أخلص أعماله لله بلا ترقب على الجزاء { فلا خوف عليهم } لا في النشأة الأولى ولا في الأخرى { ولا هم يحزنون } [الأعراف: 35] عن سوء المنقلب والمثوى.
[7.36-38]
{ والذين كذبوا بآيتنا } المنزلة على رسلنا { واستكبروا عنهآ } وعمن أنزلت عليه عتوا وعنادا { أولئك } المكذبون المستكبرون { أصحب النار } المعدة لجزاء المخذولين من أهل الضلال { هم فيها خلدون } [الأعراف: 36] لا نجاة لهم منها أصلا:.
نعوذ بك من سخطك يا ذا القوة المتين.
وبعدما أرسل الرسل وأنزل الكتب { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا } أي: نسب إليه ما لم يصدر عنه افتراء وكذبا { أو كذب بآياته } الصادرة عنه عنادا ومكابرة { أولئك } المفترون المكذبون { ينالهم نصيبهم من الكتاب } أي: مما كتب في اللوح وثبت فيه من العذاب والنكال لذوي الجرائم العظام { حتى إذا جآءتهم رسلنا } أي: ملائكتنا الموكلون { يتوفونهم } لتوفية حساب العصاة { قالوا } أي: الملائكة لهم توبيخا وتقريعا: { أين ما كنتم تدعون } وتعبدون { من دون الله } من الآلهة الباطلة وتعتقدونهم شفعاء { قالوا } متضرعين مضطرين { ضلوا عنا } أي: غابوا عنا بعدما أضلونا عن طريق الحق { وشهدوا } واعترفوا { على أنفسهم أنهم كانوا } في مدة حياتهم { كافرين } [الأعراف: 37] ضالين.
{ قال } سبحانه من وراء سرادقات العز والجلال على مقتضى عدله: { ادخلوا } أيها الضالون المكذبون { في } زمرة { أمم } عاصية كافرة { قد خلت } مضت { من قبلكم } على الكفر والضلال أمثالكم { من الجن والإنس في النار } المعدة لجزاء العصاة الغواة الكفرة، وبعد صدرو الأمر الوجوبي منه سبحانه صاروا بحث { كلما دخلت أمة } في نار الخذلان { لعنت أختها } التي أضلتها { حتى إذا اداركوا } وتلاحقوا { فيها جميعا } مجتمعين { قالت أخراهم } أي: مستأخرهم { لأولاهم } أي: لأجل مستقدميهم وفي حقهم، متضرعين إلى ربهم: { ربنا هؤلاء } الضالون المضلون { أضلونا } عن طريقك بوضع سنن الضلال بيننا فاقتيدنا بهم، فضللنا { فآتهم } الآن وأنزل عليهم { عذابا ضعفا من النار } أي: مثل عذابنا؛ لأنهم ضالون مضلون { قال } سبحانه على مقتضى عدله: { لكل } منكم أيها الأتباع ومن متبوعيكم { ضعف } من النار، أما المتبوعون فلضلالهم وإضلالهم، وأما التابعون فلضلالهم وتقليدهم بهؤلاء المضلين لا بالأنبياء { ولكن لا تعلمون } [الأعراف: 38] استحقاقكم واستحقاقهم.
صفحه نامشخص