{ وعنده } وتحت قدرته وإرادته { مفاتح الغيب } ومقاليد السرائر والخفيات { لا يعلمهآ } وأوقات ظهروها من الغيب إلى الشهادة { إلا هو } إذ هو المحيط بجميع ما كان ويكون، لا يعرب عن علمه شيء، ثم لما كانت الأفهام قاصرة عن إدراك الغيب تنزل عن تلك المرتبة إلى ما هو أقرب إلى الأفهام فقال: { ويعلم } بعلمه الحضوري جميع { ما في البر والبحر } من الكائنات والفاسدات، وتنزل منها أيضا فقال: { وما تسقط من ورقة } من أغصان الشجر { إلا يعلمها } كيف ينزل، ومن أين ينزل، وإلى أين { ولا حبة } ساقطة { في ظلمت الأرض } أي: كموناتها ويروزاتها إلى أن تصل إلى مرتبتها الأصلية التي كانت عليها قبل سقوطها { و } بالجملة: { لا رطب ولا يابس } من الكوائن والفواسد { إلا في كتب مبين } [الأنعام: 59] هو علمه الحضوري المتحد بعينه وذاته الظاهرة في نفسه المظهرة لنفسه؛ إذ لا هو إلا هو، ولا شيء سواه.
[6.60-62]
{ و } كيف يخرج عن حيطة علمه شيء من الكائنات والفاسدات؛ ذ { هو الذي يتوفكم } أي: يغيب استعداداتكم { باليل } أي: في مقر البطون والغيب { و } في تلك المرتبة { يعلم } بعلمه الحضوري { ما جرحتم } أي شيء كسبتم واكتسبتم باستعداداتكم { بالنهار } أي: في قضاء الظهور والشهادة من المعارف والحقائق المقتضية للظهور والإظهار لو ظهرتم فيه { ثم يبعثكم } ويظهركم { فيه } أي: في فضاء الظهور والشهادة { ليقضى أجل مسمى } عنده لاكتسابكم ما في استعدادكم { ثم } بعد انقطاع الأجل المسمى { إليه } لا إلى غيره { مرجعكم } رجوع الظل إلى ذير الظل { ثم } بعدما رجعتم إليه { ينبئكم } يخبركم ويحاسبكم { بما كنتم تعملون } [الأنعام: 60] وتكسبون في نشأة ظهوركم وشهادتكم من الأعمال الصالحة للقبول، والفاسدة الموجبة للرد:
{ و } عليكم أيها الأطفال الهالكة ألا تغفلوا عن مقتضيات توحيد الله، ولا تخرجوا عن امتثال أحكامه الجارية على ألسنة رسله؛ إذ { هو القاهر } القادر الغالب { فوق عباده } الرقيب المحافظ لهم يحفظهم عما لا يعنيهم { و } من حفظه أنه { يرسل عليكم حفظة } من الملائكة يكتبون ويحصرون ما صدر عنكم { حتى إذا جآء أحدكم الموت } أي: الوقت الذي قدره الله لانقضاء الأجل المسمى { توفته } أي: وفى عليه حسابه { رسلنا } أي: الموكلون عليكم { وهم } أي: الرسل { لا يفرطون } [الأنعام: 61] ولا يفرطون أصلا فيما صدر عنكم.
{ ثم } بعدما وفى الرسل حسابكم { ردوا } للجزاء { إلى الله } الذي هو { مولاهم الحق } العدل القائم بالقسط، العالم بجميع أحوال عباده؛ ليجازي كلا على مقتضى علمه وخبرته { ألا له الحكم } والأمر والجزاء { وهو أسرع الحاسبين } [الأنعام: 62]؛ إذ لا يغيب عن حفظه شيء من أعمالهم.
[6.63-67]
{ قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } أي: شدائدها وأهوالها حين { تدعونه تضرعا } متضرعين معلنين { وخفية } مناجين مسرين قائلين: { لئن أنجانا } الله بلطفه { من هذه } الأهوال والمخاوف { لنكونن } لنعمه الصارفين لها إلى مقتضى ما امره الحق ورضي عنه { من الشاكرين } [الأنعام: 63].
{ قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب } هم وغم { ثم } بعدما أنجاكم الله { أنتم } أيها المنهمكون في بحر الضلال { تشركون } [الأنعام: 64] به ما لا وجود له من التماثيل، وتكفرون نعمة العقل المفاض من عنده لتتنبهوا إلى توحيده.
{ قل هو القادر } المقتدر { على أن يبعث عليكم عذابا } نازلا { من فوقكم } مثل الرعد والبرق والصواعق الكائنة في الجو { أو } حادثا { من تحت أرجلكم } مثل الزلزلة والغرق وغير ذلك { أو يلبسكم } ويخلط عليكم أهواءكم ويجعلكم { شيعا } فرقا متخالفة متقابلة { ويذيق بعضكم بأس بعض } بالقتل والسبي والإجلاء { انظر } أيها الرائي { كيف نصرف } نجدد ونكرر لهم { الآيات } أي: دلائل توحيدنا وشواهده { لعلهم يفقهون } الأنعام: 65] رجاء أن يتفطنوا إلى سر توحيدنا وسريان هويتنا في مظاهرنا، ومع ذلك لم ينتبهوا.
{ و } من عدم تفطنهم وتنبههم { كذب به } أي: بما جاء من عندنا إليك من الكتاب الجامع للكتب السالفة { قومك } يعني: قريشا، ونسبوه لا ما لا يليق بجنابنا { و } الحال أنه { هو الحق } المطابق للواقع نزوله منا إليك { قل } لهم في مقابلة تكذيبهم: { لست عليكم بوكيل } [الأنعام: 66] موكل لحفظكم ليحفظكم عما يضركم بل ما علي إلا البلاغ والحفظ والوقاية بيد الله.ط
صفحه نامشخص