{ و } مع ذلك { قال الله } لهم حين أمرهم: { إني معكم } لينصركم على عدوكم وأخرجهم منها: فوعزتي وجلالي { لئن أقمتم الصلاة } على الوجه الذي وصل إليكم من رسولكم { وآتيتم الزكاة } على الوجه المشروع { وآمنتم برسلي } بلا تفريق بينهم { وعزرتموهم } أي: نصرتموهم في إعلاء كلمة الحق، وإشاعة دينه { وأقرضتم الله } ما في أيديكم من زخرفة الدنيا { قرضا } إنفاقا للفقراء والمساكين { حسنا } بلا شوب المنة والأذى { لأكفرن عنكم } أي: لأمحو عن ديوان عملكم { سيئاتكم } بأسرها { ولأدخلنكم } جزاء لإخلاصكم { جنات } متنزهات ثلاث: هي العلم والعين والحق { تجري من تحتها الأنهار } مملوء بمياه الحقائق والمعارف { فمن كفر بعد ذلك منكم } أي: بعدما سمع التذكير والعظة من الله { فقد ضل } وفقد { سوآء السبيل } [المائدة: 12] لا دواء لدائه، ولا رجاء لإنجائه.
اهدنا بفظلك إلى سواء السبيل.
[5.13-14]
{ فبما نقضهم ميثاقهم } وبعدم وفائهم للعهود الوثيقة { لعناهم } طردناهم عن فضاء التوحيد { وجعلنا قلوبهم قاسية } مظلمة بظلمة الإمكان إلى حيث { يحرفون الكلم } المثبتة في كتاب الله؛ لإعلاء كلمة التوحيد { عن مواضعه } التي وضعها الحق { ونسوا حظا } نصيبا { مما ذكروا به } أي: بالتوراة، ووعظوا عنه، وأفادوا منه { و } صاروا من غاية القساوة والنيسان بحيث { لا تزال تطلع } دائما مستمرا { على خآئنة منهم } تبالغ في الخيانة { إلا قليلا منهم } وهم الذين آمنوا بكم، وأنصفوا على ما في التوراة وأظهروها { فاعف عنهم } ولم يحرفوها زمانا { واصفح } وانصرف عن انتقامهم إلى الإحسان معهم { إن الله } القادر على الانتقام { يحب المحسنين } [المائدة: 13] المجاوزين عن الانتقام بعد الاقتدار عليهز
{ ومن الذين قالوا إنا نصارى } مدعين نصرة الدين، وإعلاء كلمة الحق { أخذنا } كما أخذنا من اليهود { ميثاقهم } فنقضوا كما نقضوا { فنسوا } كما نسوا { حظا مما ذكروا به } أي: بالإنجيل المنزل على عيسى - صلوات الرحمن عليه - { فأغرينا } ألقينا، وألزمنا { بينهم } بين اليهود والنصارى، وهم اليعقوبية والنسطورية والملكائية { العداوة والبغضآء } المستمرة { إلى يوم القيامة } بحيث لا يصفو نفاقهم وشقاقهم أصلا { وسوف ينبئهم الله } كلا الفريقين، أو الفرق { بما كانوا يصنعون } [المائدة: 14] في الدنيا من البغض والنفاق، وبما يكسبون به في الآخرة من العذاب والعقاب.
[5.15-16]
{ يا أهل الكتاب } أي: اليهود والنصارى المجبولين على الكفر والنفاق { قد جآءكم رسولنا } أضافه إلى نفسه؛ تعظيما وتوقيرا { يبين } ويظهر { لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب } من أوامره ونواهيه، وأخباره المتعلقة بالزمان الماضي والآتي، سيما نعت خاتم الأنبياء والرسل - صلوات الله عليه وسلامه - وإنما يبين لكم المذكورات؛ لئلا يفوت منكم شيء من أمور الدين، ولا يؤخذون بها.
{ و } مع ذلك { يعفوا } ويصفح { عن } تبيين { كثير } من مخفياتكم من الكتب مما لا يترتب عليه العذاب والنكال، فعليكم أن تؤمنوا به، وبما جاء به من عند ربه لإهدائكم إلى طريق توحيده؛ إذ { قد جآءكم من الله } معه { نور } واضح { و } هو { كتاب مبين } [المائدة: 15] ظاهر لائح هدايته وإرشاده.
{ يهدي به الله } الهادي لعباده { من اتبع } منهم { رضوانه } أي: يرضى به { سبل السلام } أي: طريق التوحيد الموصلة إلى سلامة الوحدة، المسماة عند بدار السلام { ويخرجهم } أيك المتبعين رضوان { من الظلمات } ظلمة العدم، وظلمة الإمكان وظلمة التعينات { إلى النور } أي: الوجود البحث، الخالص عن شوب الظلمة؛ إذ هو نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء من أهل العناية، وإنما يخرجهم { بإذنه } وتوفيقه، وجذب { و } بالجملمة: { يهديهم } أن سيق لهم العناية منه { إلى صراط مستقيم } [المائدة: 16] موصل إلى توحيده.
[5.17-18]
صفحه نامشخص