{ أولئك } البعداء، المتوغلون في الكفر { هم الكافرون حقا } أي: الكافرون المنهمكون فيه، المنتهون إلى مرتبة لا يعبأ بإيمانهم أصلا { وأعتدنا للكافرين } المستغرقين فقي الغي والضلال { عذابا مهينا } [النساء: 151] مذلا، مقسطا لهم عن الإنسانية بعدما جلبوا عليه صورة؛ إذ لا إهانة أشد من ذلك.
[4.152-154]
{ والذين آمنوا بالله } المتفرد في الوجود { و } اعترفوا بظهوره في { رسله } بجميع أوصافه وأسمائه { ولم يفرقوا بين أحد منهم } بالإيمان والكفر، بل يؤمنوا بجميعهم على السوية { أولئك } السعداء، الموفقون بهذه الكرامة في هذه النشأة { سوف يؤتيهم } تفضلا عليهم في النشأة الأخرى { أجورهم } بأضعاف ما استحقوا عليه { و } لا تستبعدوا من الله أمثال هذا؛ إذ { كان الله } الموفق لهم على الهداية { غفورا } لذنوبهم المبعدة عن طريق توحيده { رحيما } [النساء: 152] لهم، يوصلهم إلى ما عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
هب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.
{ يسألك أهل الكتاب } من غاية جهلهم بالله، ونهاية غفلتهم عنه { أن تنزل عليهم كتابا من السمآء } على مقتضى ما تهوى نفوسهم، وترضى عقولهم، ولا تستكبر منهم هذا { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك } وأشد بعدا واستحالة { فقالوا } من غاية بعدهم عن الله، ونهاية حجابهم عن مطالعة جماله: { أرنا الله } الذي تدعونا إليه، وترشدنا نحوه { جهرة } ظاهرة معاينة كالموجودات الأخر، وما قدروا الله حق قدره، لذلك أرادوا أن يحصروا، ويحيطوا به، مع أنه سبحانه أجل من أن يشار إليه، ويحاط به، ويدرك على ما هو عليه؛ إذ الإشارة والإحاطة والإدراك إنما هو منه وبه وفيه وإليه، ومن هذا شأنه كيف يدرك ويحس؟.
ونهاية حال الواصلين إليه أنهم انخلعوا عن هوياتهم الباطلة بالمرة، وفنوا في هويته واضمحلوا، لا إليه إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه { فأخذتهم الصاعقة } النازلة من السماء { بظلمهم } هذا فهلكوا { ثم } بعدما تابوا، ورجعوا إلى الله واستشفع لهم موسى صلوات الله عليه { اتخذوا العجل } إلها، وحصروا الألوهية فيه حين لبس عليهم السامري وخادعهم به، مع أن اتخاذهم هذا { من بعد ما جآءتهم البينات } الواضحة، الدالة على توحيد الله وتقديسه من الحصر والإحاطة { فعفونا عن ذلك } أيضا بعدما رجعوا إلينا والتجئوا نحونا متذللين { وآتينا } بعد ذلك { موسى سلطانا مبينا } [النساء: 153] حجة واضحة، ومعجزرة ملجئة لهم إلى الإيمان.
{ و } ذلك أن { رفعنا فوقهم الطور } معلقا { بميثاقهم } بسبب أن نأخذ منهم العهد الوثيق، إذ جاءوا به أزلنا عنهم، وإن أبوا أسقطنا عليهم { وقلنا لهم } أيضا بعدما أخذنا الميثاق عنهم على لسان موسى عليه السلام: { ادخلوا الباب } أي: البيت المقدس { سجدا } حال كونكم ساجدين، واضعين جباهكم على تراب المذلة، فدخلوا مسرعين ومزحفين، فنقضوا { وقلنا لهم } أيضا ميثاقا ومعادة على لسان داود عليه السلام: { لا تعدوا } لا تجاوزوا، ولا تخرجوا عن حد، ولا سيما { في السبت } أي: اصطياد الحيتان فيه، فاحتالوا في اصطيادها، فنقضوا ما عهدوا { و } بعدما { أخذنا منهم ميثاقا غليظا } [النساء: 154] أي: مواثيق غلاظ على إرادة الجنس، فنقضوا الكل، وخالفوا الأمر.
[4.155-158]
{ فبما نقضهم ميثاقهم } فبنقضهم المواثيق الغلاظ والعهود المؤكدة، فعلنا بهم ما فعلنا من الابتلاءات والاختبارات، وتحريم المباحثات وأنواع البليات والأذيات { وكفرهم بآيات الله } الدالة على توحيده، والمنزل على خلص عبيده { وقتلهم الأنبيآء } المعصومين عن الجرائم مطلقا { بغير حق } بلا رخصة شرعية { وقولهم } للأنبياء والرسل حين دعتهم للإيمان عتوا واستكبارا: { قلوبنا غلف } أوعية مملوءة بالحقائق والمعارف مختومة، لا يسع فيها ما جئتم به، والحال أنهم ليس في قلوبهم ما يتعلق بأمور الدين مقدار خردلة { بل طبع الله عليها } باسمه المضل، المذل، وختم عليها { بكفرهم } أي: بسبب كفرهم وشركهم { فلا يؤمنون } فلا يفقون على الإيمان منهم { إلا قليلا } [النساء: 155].
{ وبكفرهم } أي: بسبب كفرهم وسترهم الحق؛ عنادا ومكابرة { وقولهم } رميا وافتراء { على مريم } المنزهة عن الكدروات مطلقا { بهتانا عظيما } [النساء: 156] يتهمونها، ويرمونها بالزنا مع عصمتها وطهارة ذيلها.
صفحه نامشخص