{ ومن يشاقق الرسول } ويخالفه { من بعد ما تبين } ظهر { له الهدى } جاء به الرسول لدلالة المعجزات الساطعة والبراهين القاطعة على صدقه { و } مع ظهور هذه الدلائل الواضحة { يتبع غير سبيل المؤمنين } المتابعين لهم كابرة وعنادا { نوله } على { ما تولى } من الغي والضلال، ونخل بينه وبينه في النشأة الأولى { و } في النشأة الأخرى { نصله } ندخله { جهنم } البعد والخلاذن { وسآءت } جهنم { مصيرا } [النساء: 115] منقلبا ومآبا لأهلها.
أجرنا من النار يا مجير.
ثم قال سبحانه؛ تسلية للعصاة وترغيبا لهم إلى الإنابة والرجوع: { إن الله } المطلع لسرائر عباده { لا يغفر } ولا يعفو { أن يشرك به } شيئا من مصنوعاته في استحقاق العبادة، وإسناد الحوادث نحوه { ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء } وإن استكرهه واستنكره وندم منه، ولم يصر عليه { ومن يشرك بالله } بنسبة الحوادث الكائنة إلى غيره { فقد ضل } عن جادة التوحيد { ضلالا بعيدا } [النساء: 116] لا ترجى هدايته أصلا.
[4.117-121]
{ إن يدعون من دونه } أي: ما يدعون من دون الله آلهة { إلا إنثا } وهي: اللات والعزى والمناة { وإن يدعون } من دونه { إلا شيطنا مريدا } [النساء: 117] مردودا لا خير فيه أصلا؛ إذ هو حملهم وأغراهم على عبادة الأصنام الجامدة.
وكيف يعبدونه ويدعون له وقد { لعنه الله } وطردهه عن عز حضوره، وأخرجه من خلص عباده بواسطة تغرير العباد وإغراضهم إلى الشرك والطغيان { و } بعدمى آيس عن روح الله، وقنط من رحمته { قال لأتخذن من عبادك } الذين طردتني بسببهم وأبعدتني لأجلهم { نصيبا } حظا كاملا مما جعلته { مفروضا } [النساء: 118] لهم من توحيدك وتقديسك، بأن يغرهم ويلبس عليهم إلى أن يشركوا بك، وينسبوا إليك ما لا يليق بجنابك فينحطوا بها عن كتف حفظك وجوارك، ويستحقوا سخطك وغضبك.
{ ولأضلنهم } بأنواع الخدات والوسوسة عن طريق توحيدك { ولأمنينهم } بما يتعلق بمعاشهم في دار الغرور من الحرص وطول الأمل، وسائر مشتهيات النفس ومستلذاتها { ولأمرنهم } بتغيير أوضاعك وتنقيص مصنوعاتك وتخريب مخترعاتك { فليبتكن } ليشقن { ءاذان الأنعم } وأنوف الخيل، وغير ذلك من الأعمال التي عملوا مع خلقك بلا رخصة شرعية { ولأمرنهم فليغيرن خلق الله } بموالاتي أياهم، ومواساتي معهم إلى أن يغيروا ما خلق على مقتضى الحكمة من الأمور التي خرج بها عن الفطرة الإلهية وانحرفوا بها عن طريق الأقوم الأعدل { و } بالجملة: { من يتخذ الشيطن وليا من دون } ولاية { الله } المولي لجميع أموره { فقد خسر } لنفسه { خسرانا مبينا } [النساء: 119] ظاهرة الخسارة والحرمانن؛ إذ بدل ولاية الله الهادي بولاية الشيطان المضل، ولا خسران أعظم منه.
وكيف لا يكون ولاية الشيطان خسرانا؛ إذ { يعدهم ويمنيهم } ما لا ينالون ويصلون إليه أصلا، كيف يصلون وإلى أي شيء ينالون { وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } [النساء: 120] أوهاما وخيالات باطلة، لا وجود لها أصلا لا حالا ولا مآلا؟!
{ أولئك } المغرورون بغرور الشيطان والضالون بإضلاله { مأواهم } ومثواهم { جهنم } البعد والإمكان { و } هم { لا يجدون عنها محيصا } [النساء: 121] ملجا ومهربا أصلا، بل يبقون فيها مخلدا مؤبدا.
[4.122-123]
صفحه نامشخص