تفسير البغوي
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
پژوهشگر
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
ناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الرابعة
سال انتشار
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ" (١) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ رسول الله ﷺ ٤\ب لَا يَعْرِفُ خَتْمَ سُورَةٍ حَتَّى يَنْزِلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا لَا نَعْلَمُ فَصْلَ مَا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ حَتَّى يَنْزِلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَكْتُبُ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ عَلَى رَسْمِ قُرَيْشٍ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ حَتَّى نَزَلَتْ "وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بسم الله مجريها" (٤١-هُودٍ) فَكَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ حَتَّى نزلت "قل ادعو اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ" (١١٠-الْإِسْرَاءِ) فَكَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ حَتَّى نَزَلَتْ "إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" (٣٠-النَّمْلِ) فَكَتَبَ مِثْلَهَا.
قَوْلُهُ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ لَفْظُهُ خَبَرٌ كَأَنَّهُ يُخْبِرُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْحَمْدِ هُوَ اللَّهُ ﷿ وَفِيهِ تَعْلِيمُ الْخَلْقِ تَقْدِيرَهُ قُولُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ يَكُونُ بِمَعْنَى الشُّكْرِ عَلَى النِّعْمَةِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ. يُقَالُ حَمِدْتُ فُلَانًا عَلَى مَا أَسْدَى إِلَيَّ مِنَ النِّعْمَةِ وَحَمِدْتُهُ عَلَى عِلْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَالشُّكْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى النِّعْمَةِ، فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ إِذْ لَا يُقَالُ شَكَرْتُ فُلَانًا عَلَى عِلْمِهِ فَكُلُّ حَامِدٍ شَاكِرٌ وَلَيْسَ كُلُّ شَاكِرٍ حَامِدًا. وَقِيلَ: الْحَمْدُ بِاللِّسَانِ قَوْلًا وَالشُّكْرُ بِالْأَرْكَانِ فِعْلًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا" (١١١-الْإِسْرَاءِ) وَقَالَ "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا" (١٣-سَبَأٍ) .
قَوْلُهُ ﴿لِلَّهِ﴾ اللَّامُ فِيهِ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَمَا يُقَالُ الدَّارُ لِزَيْدٍ.
قَوْلُهُ ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فَالرَّبُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَالِكِ كَمَا يُقَالُ لِمَالِكِ الدَّارِ: رَبُّ الدَّارِ: وَيُقَالُ رَبُّ الشَّيْءِ إِذَا مَلَكَهُ وَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ، يُقَالُ: رَبَّ فُلَانٌ الضَّيْعَةَ يَرُبُّهَا إِذَا أَتَمَّهَا وَأَصْلَحَهَا فَهُوَ رَبٌّ مِثْلَ طَبَّ، وَبَرَّ. فَاللَّهُ تَعَالَى مَالِكُ الْعَالَمِينَ وَمُرَبِّيهِمْ، وَلَا يُقَالُ لِلْمَخْلُوقِ هُوَ الرَّبُّ مُعَرَّفًا إِنَّمَا يُقَالُ رَبُّ كَذَا مُضَافًا، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلتَّعْمِيمِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْكُلَّ.
"وَالْعَالَمِينَ" جَمْعُ عَالَمٍ، لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَالَمِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ لِأَنَّهُمُ الْمُكَلَّفُونَ بِالْخِطَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا" (١-الْفُرْقَانِ) وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: هُمْ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وقال فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا" وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَلَامَةِ سُمُّوا بِهِ لِظُهُورِ أَثَرِ الصَّنْعَةِ فِيهِمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُمْ أَرْبَعُ أُمَمٍ: الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ عَالَمٌ لِأَنَّهَا لَا تَعْقِلُ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِهِمْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ لِلَّهِ أَلْفُ عَالَمٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لِلَّهِ ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَرِّ. وَقَالَ وَهْبٌ لِلَّهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَالَمٍ الدُّنْيَا عَالَمٌ مِنْهَا، وَمَا
(١) أخرجه مالك في الموطأ، باب العمل في القراءة: ١ / ٨١، والمصنف في شرح السنة ٣ / ٥٣-٥٤، وهو عند مسلم في الصلاة برقم (٣٩٩) . (٢) أخرجه أبو داود في المراسيل ص (١٢٣)، وصححه الحاكم على شرطهما: ١ / ٢٣١. وانظر: تلخيص الحبير: ١ / ٢٣٣، الدر المنثور: ١ / ٢٠. (٣) أخرجه الواحدي في الوسيط: ١ / ١٣، وفي أسباب النزول ص (٥٤) وعزاه السيوطي أيضا للبيهقي في الشعب، انظر: الدر المنثور: ١ / ٢٠.
1 / 52