تفسير البغوي
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
ویرایشگر
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
ناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
ویراست
الرابعة
سال انتشار
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ: مَلَكَ دَاوُدُ بَعْدَ قَتْلِ طَالُوتَ سَبْعَ سِنِينَ وَلَمْ يَجْتَمِعْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مَلِكٍ وَاحِدٍ إِلَّا عَلَى دَاوُدَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ يَعْنِي: النُّبُوَّةَ؛ جَمَعَ اللَّهُ لِدَاوُدَ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ، بَلْ كَانَ الْمُلْكُ فِي سِبْطٍ وَالنُّبُوَّةُ فِي سِبْطٍ، وَقِيلَ: الْمُلْكُ وَالْحِكْمَةُ هُوَ الْعِلْمُ مَعَ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ يَعْنِي: صَنْعَةَ الدُّرُوعِ وَكَانَ يَصْنَعُهَا وَيَبِيعُهَا وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَقِيلَ مَنْطِقُ الطَّيْرِ (وَكَلَامُ الْحُكْلِ) (١) وَالنَّمْلِ وَالْكَلَامُ الْحَسَنُ وَقِيلَ هُوَ الزَّبُورُ وَقِيلَ هُوَ الصَّوْتُ الطَّيِّبُ وَالْأَلْحَانُ فَلَمْ يُعْطِ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ مِثْلَ صَوْتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ تَدْنُو الْوُحُوشُ حَتَّى يَأْخُذَ بِأَعْنَاقِهَا وَتُظِلَّهُ الطَّيْرُ مُصِيخَةً لَهُ وَيَرْكُدَ الْمَاءُ (الْجَارِي) (٢) وَيَسْكُنَ الرِّيحُ.
وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ سِلْسِلَةً مَوْصُولَةً بِالْمَجَرَّةِ وَرَأَسُهَا عِنْدَ صَوْمَعَتِهِ قُوَّتُهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ وَلَوْنُهَا لَوْنُ النَّارِ وَحِلَقُهَا مُسْتَدِيرَةٌ مُفَصَّلَةً بِالْجَوَاهِرِ مُدَسَّرَةً بِقُضْبَانِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فَلَا يَحْدُثُ فِي الْهَوَاءِ حَدَثٌ إِلَّا صَلْصَلَتِ السِّلْسِلَةُ، فَعَلِمَ دَاوُدُ ذَلِكَ الْحَدَثَ، وَلَا يَمَسُّهَا ذُو عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ، وَكَانُوا يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا بَعْدَ دَاوُدَ ﵇ إِلَى أَنْ رُفِعَتْ، فَمَنْ تَعَدَّى عَلَى صَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ لَهُ حَقًّا أَتَى السِّلْسِلَةَ فَمَنْ كَانَ صَادِقًا مَدَّ يَدَهُ إِلَى السِّلْسِلَةِ فَتَنَاوَلَهَا، وَمَنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَنَلْهَا فَكَانَتْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ ظَهَرَ بِهِمُ الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فَبَلَغَنَا أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِهَا أودع رجلأ ٤٤/أجَوْهَرَةً ثَمِينَةً فَلَمَّا اسْتَرَدَّهَا أَنْكَرَ فَتَحَاكَمَا إِلَى السِّلْسِلَةِ، فَعَمَدَ الَّذِي عِنْدَهُ الْجَوْهَرَةُ إِلَى عُكَّازَةٍ فَنَقَرَهَا وَضَمَّنَهَا الْجَوْهَرَةَ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا حَتَّى حَضَرَ السِّلْسِلَةَ فَقَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ: رُدَّ عَلَيَّ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ صَاحِبُهُ: مَا أَعْرِفُ لَكَ عِنْدِي مِنْ وَدِيعَةٍ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَتَنَاوَلِ السِّلْسِلَةَ، فَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ فَقِيلَ لِلْمُنْكِرِ قُمْ أَنْتَ فَتُنَاوَلْهَا فَقَالَ لِصَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ: خُذْ عُكَّازِي هَذِهِ فَاحْفَظْهَا حَتَّى أَتَنَاوَلَ السِّلْسِلَةَ فَأَخَذَهَا عِنْدَهُ ثُمَّ قَامَ الْمُنْكِرُ نَحْوَ السِّلْسِلَةِ فَأَخَذَهَا فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا عَلَيَّ قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَقَرِّبْ مِنِّي السِّلْسِلَةَ فَمَدَّ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا فَتَعَجَّبَ الْقَوْمُ وَشَكُّوا فِيهَا فَأَصْبَحُوا وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ السِّلْسِلَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ " دِفَاعُ اللَّهِ ") بِالْأَلِفِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِغَيْرِ الْأَلِفِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُغَالِبُهُ أَحَدٌ وَهُوَ الدَّافِعُ وَحْدَهُ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْأَلِفِ قَالَ: قَدْ يَكُونُ الدِّفَاعُ مِنْ وَاحِدٍ مِثْلُ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَحْسَنَ اللَّهُ عَنْكَ الدِّفَاعَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِجُنُودِ الْمُسْلِمِينَ لَغَلَبَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ، وَخَرَّبُوا الْمَسَاجِدَ وَالْبِلَادَ، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْأَبْرَارِ عَنِ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ لَهَلَكَتِ الْأَرْضُ بِمَنْ فِيهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ
(١) من ب، والحكل: ما لا يسمع له صوت.
(٢) ساقط من (أ) .
1 / 307