تفسير البغوي
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
ویرایشگر
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
ناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
ویراست
الرابعة
سال انتشار
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
فَالْإِثْبَاتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "مَا لَكَ أَنْ لَا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ" (٣٢-الْحِجْرِ) وَالْحَذْفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "مَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (٨-الْحَدِيدِ) وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ وَمَا لَنَا فِي أَنْ لَا نُقَاتِلَ فَحَذَفَ "فِي" وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ وَمَا يَمْنَعُنَا أَنْ لَا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "مَا مَنَعَكَ أن لا تَسْجُدَ" (١٢-الْأَعْرَافِ) وَقَالَ الْأَخْفَشُ: "أَنْ" هَاهُنَا زَائِدَةٌ مَعْنَاهُ: وَمَا لَنَا لَا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ أَيْ أُخْرِجَ مَنْ غُلِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، ظَاهِرُ الْكَلَامِ الْعُمُومُ وَبَاطِنُهُ الْخُصُوصُ، لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمُ: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانُوا فِي دِيَارِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ وَإِنَّمَا أُخْرِجَ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا مُجِيبِينَ لِنَبِيِّهِمْ: إِنَّمَا كُنَّا نَزْهَدُ فِي الْجِهَادِ إِذْ كُنَّا مَمْنُوعِينَ فِي بِلَادِنَا لَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا عَدُوُّنَا، فَأَمَّا إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنَّا فَنُطِيعُ رَبَّنَا فِي الْجِهَادِ وَنَمْنَعُ نِسَاءَنَا وَأَوْلَادَنَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا﴾ أَعْرَضُوا عَنِ الْجِهَادِ وَضَيَّعُوا أَمْرَ اللَّهِ ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ الَّذِينَ عَبَرُوا النَّهْرَ مَعَ طَالُوتَ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الْغُرْفَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)﴾
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ وَذَلِكَ أَنَّ إِشْمَوِيلَ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا فَأَتَى بِعَصَا وَقَرْنٍ (١) فِيهِ دُهْنُ الْقُدْسِ وَقِيلَ: لَهُ إِنَّ صَاحِبَكُمُ الَّذِي يَكُونُ مَلِكًا طَوُلُهُ طُولُ هَذِهِ الْعَصَا وَانْظُرْ هَذَا الْقَرْنَ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْكَ رَجُلٌ فَنَشَّ (٢) الدُّهْنُ الَّذِي فِي الْقَرْنِ فَهُوَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَادَّهِنْ بِهِ رَأْسَهُ وَمَلِّكْهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ طَالُوتُ اسْمُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ شَاوِلُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ أَوْلَادِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ سُمِّيَ طَالُوتَ لِطُولِهِ وَكَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ بِرَأْسِهِ وَمَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ رَجُلًا دَبَّاغًا يَعْمَلُ الْأَدِيمَ (٣) قَالَهُ وَهْبٌ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ رَجُلًا سَقَّاءً يَسْقِي عَلَى حِمَارٍ لَهُ مِنَ النِّيلِ فَضَلَّ حِمَارُهُ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ، وَقِيلَ كَانَ خَرَبَنْدَجًا، وَقَالَ وَهْبٌ: بَلْ ضَلَّتْ حُمُرٌ لِأَبِي طَالُوتَ فَأَرْسَلَهُ وَغُلَامًا لَهُ فِي طَلَبِهَا فَمَرَّ بِبَيْتِ إِشْمَوِيلَ فَقَالَ الْغُلَامُ لِطَالُوتَ: لَوْ دَخَلْنَا عَلَى هَذَا النَّبِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْرِ الْحُمُرِ لِيُرْشِدَنَا وَيَدْعُوَ لَنَا، فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُمَا عِنْدَهُ يَذْكُرَانِ لَهُ شَأْنَ الْحُمُرِ إِذْ نَشَّ الدُّهْنُ الَّذِي فِي الْقَرْنِ فَقَامَ إِشْمَوِيلُ ﵇ فَقَاسَ
(١) أراد القنينة التي يكون فيها الدهن والطيب، وكأنهم كانوا يتخذونها من قرون البقر وغيرها.
(٢) نش الماء ينش نشا ونشيشأ: إذا صوت عند الغليان.
(٣) الجلد أول ما يدبغ فإذا رد في الدباغ مرة أخرى فهو اللديم.
1 / 297