215

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

ژانرها

تفسیر

[234]

قوله عز وجل : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ؛ معناه : إن الذين يموتون منكم ويتركون نساءهم من بعدهم ؛ ينتظرون في عدتهن ؛ معنى { أربعة أشهر وعشرا } لا يتزوجن ولا يتزين في هذه المدة.

وقوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن } ؛ أي إذا انقضت عدتهن ؛ { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } ؛ أي لا حرج عليكم في تركهن بعد انقضاء المدة ليتزين زينة لا ينكر مثلها ، ويتزوجن من الأكفاء ويفعلن كل معروف. قوله تعالى : { والله بما تعملون خبير } ؛ أي بما تعملون من الخير والشر عالم يجزيكم به.

فإن قيل : (الذين) اسم موصول و{ يتوفون } { ويذرون } من صلته ، وجملته مبتدأ ؛ و{ يتربصن } فعل الأزواج لا فعل { الذين } ولا فيه ضمير عائد إلى { الذين } ؛ فيبقى المبتدأ بلا خبر ، والمبتدأ لا يخلو من خبر اسما كان أو فعلا ؛ وليس من ذلك ها هنا شيء ؟ قيل : قال أبو العباس السراج : (في الآية ضمير تقديره : أزواجهم يتربصن) لأن الفعل يدل على الفاعل. وقال الأخفش : (تقديره : يتربصن من بعدهم أربعة أشهر) حتى يكون الضمير عائدا إلى { الذين }. وذكر الزجاج : أن النون في قوله { يتربصن } قائم مقام الأزواج كناية عنها لا محالة فصار كالتصريح ، وهذا كما يقال : الذي يموت ويخلف ابنتين ترثان الثلثين ؛ معناه يرث ابنتاه الثلثين.

قوله تعالى : { وعشرا } ظاهر لفظ العشر يتناول الليالي ؛ ألا ترى أنه يقال للأيام : عشرة أيام ؛ وإنما غلب لفظ التأنيث في الآية فقيل : (عشرا) ؛ لأن العرب تقدم الليل على النهار ويعدون أول كل شهر من الليلة ؛ ألا تراهم يصلون التراويح إذا رأوا الهلال ويدعونها إذا رأوا هلال شوال. ومن عادتهم أنهم إذا ذكروا أحد العددين على سبيل الجمع أرادوا مثله العدد الآخر ؛ كما قال تعالى في قصة زكريا عليه السلام : { قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا }[آل عمران : 41] وقال في موضع آخر : { ثلاث ليال سويا }[مريم : 10] والقصة واحدة ، فعبر تارة بالأيام عن الليالي ، وتارة بالليالي عن الأيام.

ويقال : الحكمة في تقدير عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر ما روي عن عبدالله بن مسعود أنه قال : [يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، وأربعين يوما علقة ، ثم أربعين يوما مضغة ، ثم ينفخ فيه الروح في عشرة أيام ، فيكتب أجله ورزقه وأنه شقي أو سعيد]. فيجوز أن الله قدر هذه في عدة الوفاة ؛ ليظهر أنها حامل أو حائل.

واختلفوا في عدة الحامل ؛ فقال عمر وابن مسعود وعبدالله بن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم : (أن الحامل تخرج من هذه العدة إذا وضعت. وإن كان زوجها على السرير) حتى قال ابن مسعود : (من شاء باهلته ، إن قوله تعالى :

صفحه ۲۱۵