تفکر، فریضهی اسلامی
التفكير فريضة إسلامية
ژانرها
وعلى الجملة يمكن أن يقال: إن الإسلام ينكر من تلك المذاهب مذهبين منتشرين في الصوفية على عمومها؛ ينكر مذهب الحلول، كما ينكر المذهب القائل بوحدة الوجود، فلا يقر الإسلام مذهبا يقول بحلول الله في جسد إنسان، ولا يقر مذهب القائلين بفناء الذات الإنسانية في الذات الإلهية، وإذا تحدث المتصوف المسلم عن الفناء فسره بفناء الشهوات، أو فناء الأنانية وحلول محبة الله محلها من القلوب والأرواح.
ولا يقر الإسلام مذهبا يقول بوحدة الوجود، أو يقول بأن الله هو مجموعة هذه الموجودات، وأن الكون كله بسمائه وأرضه ومخلوقاته العلوية والسفلية هو الله. وإذا أجاز المتصوف المسلم معنى من معاني الوحدة الوجودية، فهي عنده وحدة الفضائل الإلهية ووحدة التوحيد.
وقد يوفق المسلم الصوفي بين الظاهر والباطن فيقول: إن الشريعة من غير الحقيقة رياء وكذب، وإن الحقيقة من غير الشريعة إباحة وفسوق، وقد يوفق بين الأمور الدنيوية والأمور الأخروية بمذهب جميل معتدل بين الطرفين، فليس الزاهد من لا يملك شيئا؛ بل الزاهد عنده من لا يملكه شيء، فهو مالك للدنيا غير مملوك لها بحال.
وظل المتصوفة والمنتسبون إلى الطرق الصوفية من المتأخرين يبرءون من القول بالحلول، ووحدة الوجود، وإسقاط التكليف، ويعتزلون من يقول بها على وجوهها المنقولة من الديانات الوثنية. ولوحظ ذلك في القانون الذي استشير فيه شيوخهم، وصدر في الديار المصرية بلائحة الطرق الصوفية (سنة 1320 هجرية/1903 ميلادية)، وتقرر المادة الثانية من بابه الخامس: «إن كل من يقول بالحلول أو الاتحاد أو سقوط التكليف يطرد من الطرق الصوفية كافة.»
وهذا الفارق الفاصل بين الصوفية الإسلامية والصوفية الدخيلة هو الذي أوهم فريقا من المستشرقين أن التصوف كله مستعار من الهند وفارس، أو من الأفلاطونية الحديثة، وهو قول يصدق على مذهب الحلول ومذهب وحدة الوجود، ولكنه لا يصدق على مذاهب الصوفية التي تقوم على الحب الإلهي، والكشف عن الحقائق من وراء الظواهر؛ فهذه الصوفية أصيلة في الإسلام، يتعلمها المسلم من كتابه، ويصل إليها ولو لم يتصل قط بفلسفة البراهمة أو فلسفة أفلوطين؛ لأن أشواق الروح الإنسانية قسط مشترك بين بني آدم لا تنفرد به أمة من الأمم، ولم تستوعبها عقيدة واحدة كل الاستيعاب دون سائر العقائد الدينية.
والصوفية العربية مازجت صوفية الهند القديمة وصوفية الأفلوطينيين بالإسكندرية، ولكنها أضافت إليها كما أخذت منها، ولا حاجة بنا إلى تعقب التواريخ والأسانيد لتقرير هذه الحقيقة البينة، فإن عناصر الصوفية الإسلامية مبثوثة في آيات القرآن الكريم، محيطة بالأصول التي تفرعت عليها صوفية البوذية والأفلوطينية.
والمسلم يقرأ في كتابه أن:
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فيقرأ خلاصة العلم الذي يعلمه دارس اللاهوت في كتب القديس توما حيث يقول: إن الله مباين للحوادث، وإنه يعلم بالتنزيه والإبعاد عن مشابهتها، أو يعلم بما ليس هو، ولا يعلم بما هو عليه في ذاته أو صفاته، أيا كان المصدر الأول الذي استقى منه القديس توما أصول هذه العقيدة.
ويقرأ المسلم في كتابه:
ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين [سورة الذاريات: 50].
صفحه نامشخص