تفکر، فریضهی اسلامی
التفكير فريضة إسلامية
ژانرها
كما أنه من ضروب التصوير ما يساعد على علاج المرضى بعلل باطنة، أو المصابين ببنادق الرصاص ونحوها؛ كالتصوير بأشعة رنتجن الشهيرة. ومن القواعد الأصولية الشرعية أن للوسائل أحكام الغايات والمقاصد؛ فإذا كانت الصور تتوقف عليها بعض أحكام شرعية، أو معالجات طبية، أو كشف مسائل علمية كان اتخاذها ولا شك من المرغوب فيه شرعا، وإن كانت لمجرد الزينة واللهو المباح كان اتخاذها مباحا. فأما إذا كانت تتخذ للتعظيم والعبادة والتبرك ونحو ذلك؛ فهي حرام قطعا، معذب صانعها ومعذب متخذها ...»
ولا نعلم أحدا من المسلمين خاصتهم وعامتهم يزوي وجهه أمام تحفة من تحف الفن حيث تؤمن النكسة إلى العبادات الوثنية، وقد كان الشيخ محمد عبده - الإمام المصلح المجتهد - يزور معاهد الفن، ويكتب عنها، ويستحسن حفظ آثارها النادرة، وتحفها النفيسة؛ لأنها من قبيل حفظ العلم، وتصوير خفايا النفس الإنسانية.
ومما كتبه في ذلك فصل من فصول الرحلات بتوقيعه في تلك الرحلات، نشرته مجلة «المنار» عن دور الصور والآثار في جزيرة صقلية، يقول فيه:
ولهؤلاء القوم حرص غريب على حفظ الصور المرسومة على الورق، ويوجد في دار الآثار عند الأمم الكبرى ما لا يوجد عند الأمم الصغرى؛ كالصقليين مثلا، يحققون تاريخ رسمها، واليد التي رسمتها، ولهم تنافس في اقتناء ذلك غريب، حتى إن القطعة الواحدة من رسم روفائيل مثلا ربما تساوي مائتين من الآلاف في بعض المتاحف، ولا يهمك معرفة القيمة بالتحقيق، وإنما المهم هو التنافس في اقتناء الأمم لهذه النقوش، وعد ما أتقن من أفضل ما ترك المتقدم للمتأخر.
وكذلك الحال في التماثيل، وكلما قدم المتروك من ذلك كان أغلى قيمة، وكان القوم عليه أشد حرصا. هل تدري لماذا؟ ... إذا كنت تدري السبب في حفظ سلفك للشعر، وضبطه في دواوينه، والمبالغة في تحريره، خصوصا شعر الجاهلية وما عني الأوائل - رحمهم الله - بجمعه وترتيبه؛ أمكنك أن تعرف السبب في محافظة القوم على هذه المصنوعات من الرسوم والتماثيل، فإن الرسم ضرب من الشعر الذي يرى ولا يسمع، والشعر ضرب من الرسم الذي يسمع ولا يرى.
إن هذه الرسوم والتماثيل قد حفظت من أحوال الأشخاص في الشئون المختلفة، ومن أحوال الجماعات في المواقع المتنوعة ما تستحق به أن تسمى ديوان الهيئات والأحوال البشرية، ويصورون الإنسان أو الحيوان في حال الفرح والرضى والطمأنينة والتسليم.
فهذه المعاني المدرجة في هذه الألفاظ متقاربة لا يسهل عليك تمييز بعضها من بعض، ولكنك تنظر في رسوم مختلفة فتجد الفرق ظاهرا باهرا، ويصورونه مثلا في حالة الجزع والفزع والخوف والخشية، والجزع والفزع مختلفان في المعنى، ولم أجمعهما هنا طمعا في جمع عينين في سطر واحد؛ بل لأنهما مختلفان حقيقة.
ولكنك ربما تعتصر ذهنك لتحديد الفرق بينهما وبين الخوف والخشية، ولا يسهل عليك أن تعرف متى يكون الفزع، ومتى يكون الجزع، وما الهيئة التي يكون عليها الشخص في هذه الحال أو تلك. فأما إذا نظرت إلى الرسم وهو ذلك الشعر الساكت، فإنك تجد الحقيقة بارزة لك تتمتع بها نفسك، كما يتلذذ بالنظر فيها حسك إذا نزعت نفسك إلى تحقيق الاستعارة المصرحة في قولك: رأيت أسدا؛ تريد رجلا شجاعا، فانظر إلى صورة أبي الهول بجانب الهرم الكبير تجد الأسد رجلا أو الرجل أسدا.
فحفظ هذه الآثار حفظ للعلم في الحقيقة، وشكر لصاحب الصنعة على الإبداع فيها. إن كنت فهمت من هذا شيئا فذلك بغيتي، وأما إذا لم تفهم فليس عندي وقت لتفهيمك بأطول من هذا، وعليك بأحد اللغويين أو الرسامين أو الشعراء المفلقين يوضح لك ما غمض عليك إذا كان ذلك من ذرعه ...
ثم يستطرد الأستاذ الإمام إلى الحكم الشرعي في هذه الصور والتماثيل، فيقول:
صفحه نامشخص