تفکر، فریضهی اسلامی
التفكير فريضة إسلامية
ژانرها
يقولون: إن طلب المعرفة لمحض المعرفة مزية من مزايا العقل الأوروبي دون غيره بين عقول الأمم من سائر الأجناس، وإن الأمم من غير الأجناس الأوروبية تطلب العلم لمنفعة، وتهتم بالمعرفة لما تستفيده منها في معاشها، ولا تهتم بها لأنها مطبوعة على التفكير وطلب الحقيقة لذاتها ...
ودلائل العصبية العنصرية هنا ظاهرة تكفي لإخراج هذه العلة من عداد العلل العلمية الخالصة لوجه البحث والمعرفة. وقد حدث للأمم الأوروبية أنها حجرت على الفلسفة حين عرضت لها ظروف اجتماعية أو سياسية كالظروف التي سبقتها في الدول الشرقية ...
فالسبب العنصري هنا قاصر عن تفسير العلة في اختلاف إقبال الأمم على الفلسفة، وإنما ترجع تلك العلة إلى أسباب واحدة بين الشرق والغرب، وبين الماضي والحاضر كلما تشابهت الظروف على تباعد الأزمنة والجهات ...
والغالب أن الدول الكبيرة، وهي الدول التي تقوم عادة على الأنهار الكبيرة، تستقر فيها سلطة دينية متوارثة كالسلطة السياسية، وأن هذه السلطة الدينية تستأثر بمباحث العقيدة ومباحث ما وراء الطبيعة، ولا تسمح لأحد بأن يزاحمها في المعارف التي تتعلق بالأرباب وأسرار الخلق وأصول الحياة، أو أصول الوجود كله على التعميم.
وقد وجدت هذه السلطة الدينية القوية في أوروبا بين القرن الثامن والقرن الخامس عشر للميلاد، فامتنع ظهور الفلسفة فيها، وساء حظ الفلاسفة بين علمائها ومحتكري العلم من أحبارها وكهانها.
وحدث قبل ميلاد السيد المسيح أن عبادة الإمبراطور تقررت في الدولة الرومانية، وأن الدولة عرفت سلطان الكهانة بين شعوبها؛ فامتنع فيها ظهور الفلسفة ونبوغ الفلاسفة، ولم يكن محصولها منها بأوفر من محصول الفلسفة في دول الحضارات الشرقية، وقامت الدولة الرومانية ثم سقطت وهي عالة على بقايا الفلسفة اليونانية، تأخذ منها ما يحسب من فلسفة السلوك والأخلاق، وتحجم عما عداها من أبواب الفلسفة المعنية بما وراء الطبيعة وما تخوض فيه من المشكلات والأسرار ...
وقد فسر الإسلام هذا الفارق بين الأمم في عنايتها العامة بالفلسفة على طريقته العملية حين قامت فيه الدولة بغير كهانة، فكانت دولة الإسلام أرحب الدول صدرا، وأسمحها فكرا مع الفلسفة على عمومها، والفلسفة اليونانية في جملتها؛ بل كانت الأمة الإسلامية أرحب صدرا، وأسمح فكرا مع الفلسفة اليونانية من بلاد العالم اليوناني الذي نشأت فيه، كما يؤخذ من مصائر الفلاسفة بين أبناء العالم اليوناني ومصائر الفلاسفة المسلمين وغير المسلمين في بلاد الإسلام.
كان «ثالوث» الفلسفة الأكبر يتجمع من سقراط، وأفلاطون تلميذ سقراط، وأرسطو تلميذ أفلاطون، وكان أشهر الفلاسفة بعد هذين فيثاغوراس إمام الحكمة الصوفية، وزينون إمام الفلسفة الرواقية. وكل من هؤلاء الحكماء - المعبرين عن حكمة عصورهم - قد أصيب في زمنه بمصاب لا يدل على قرار أمين ...
فسقراط قضي عليه بالموت، وأفلاطون بيع في سوق العبيد، وأرسطو نجا بنفسه من أثينا خوفا من عاقبة سقراط، بعد أن رماه كاهن من كهانها بالإلحاد، وقيل: إنه ألقى بنفسه في البحر، وزعم بعض مؤرخيه أنه لم يبخع نفسه فرارا من الاضطهاد؛ بل غما من تفسير علة المد والجزر في البحر الذي ألقى بنفسه فيه.
أما فيثاغوراس فقد مات قتيلا بجانب مزرعة فول، وبخع زينون نفسه لأن الآلهة أمرته بذلك، كما قال لبعض تلاميذه، ولا تعلم على التحقيق علاقة مصيره هذا ولا مصير فيثاغوراس بالدعوة الفلسفية، ولكنه - على أي وجه من الوجوه - مصير لا يدل كما أسلفنا على قرار أمين.
صفحه نامشخص