تفکر، فریضهی اسلامی
التفكير فريضة إسلامية
ژانرها
فشمرت عن ساق الجد في تحصيل ذلك العلم بمجرد المطالعة من غير استعانة بأستاذ ومعلم، وأقبلت على ذلك في أوقات فراغي من التدريس.»
وبعد دراسة المنطق رأى الغزالي أن خطأ المناطقة إنما يعتريهم من ناحية التطبيق، ولا عيب في أصول النظر على استقامة فهمها، وصدق الرغبة في المعرفة الصحيحة، ومن ذلك قوله في كتاب مقاصد الفلاسفة: «أما المنطقيات فأكثرها على منهج الصواب، والخطأ نادر فيها، وإنما يخالفون أهل الحق فيها بالاصطلاحات والإيرادات دون المعاني والمقاصد.»
ومن كلامه في فاتحة كتاب محك النظر: «إنك إن التمست شرط القياس الصحيح، والحد الصحيح، والتنبيه على منارات الغلط فيها وفقت للجمع بين الأمرين؛ فإنها رباط العلوم كلها.»
ويقول في ختام كتابه الميزان: «لو لم يكن في مجاري هذه الكلمات إلا ما يشكك في اعتقادك الموروث لتنتدب للقلب، وناهيك به نفعا؛ إذ الشكوك هي الموصلة للحق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال. نعوذ بالله من ذلك.»
وهو في جميع كتبه يحرم التقليد على من يستطيع الدرس والاهتداء بالتفكير السليم إلى حقائق الدين وسيرته، كما روى عن نفسه مثل لما ينبغي لطالب المعرفة أن يتحراه من البحث عن الحقيقة أينما وجدها، أو قاده السعي إليها، قال في مقدمة المنقذ من الضلال: «ولم أزل في عنفوان شبابي منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرين إلى الآن - وقد أنافت السن على الخمسين - أقتحم لجة هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل في كل مظلمة، وأتهجم على كل مشكلة، وأقتحم كل ورطة، وأتفحص عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة؛ لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن
3
ومبتدع، لا أغادر باطنيا إلا وأحب أن أطلع على بطانته، ولا ظاهرا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته ، ولا فلسفيا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلما إلا وأجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفيا إلا وأحرص على العثور على سر صفوته، ولا متعبدا إلا وأرصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقا متعطلا إلا وأتحسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته.
وقد كان التعطش إلى إدراك حقائق الأمور دأبي وديدني من أول أمري وريعان عمري غريزة وفطرة من الله تعالى.»
فالعقل عند الإمام الغزالي هو العقل في شرعة الإسلام، كلاهما عقل يبتغي الحقيقة حيث كانت، ولا يحجم عن المعرفة حيث أصابها، ولا يقيم فوقه أو بين يديه بابا مغلقا دون قبس من النور يريه ما لم يكن رآه، أو يزيده بصيرة بما رآه.
وإنما تناول بالتحريم عملا ليس من أعمال العقل، ولا هو مما تسيغه العقول الرشيدة، وهو تعريض العامي المقلد للمشكلات التي لا يدركها، ولا يتوفر على درسها وإدراكها، وكل ما يجنيه من يعرضه لها أن يسلبه طمأنينة التقليد، ولا يعوضه منها غير القلق والاضطراب وسوء الطوية، وليس في ابتلاء العامي المقلد بهذه المحنة شيء من العقل، ولا في تجنيبه مضرتها ووبال عقباها مخالفة للعقل، أو حجر عليه.
صفحه نامشخص