145

تفکر علمی و وقایع جدید معاصر

التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر

ژانرها

ونكتفي بهذا القدر؛ فإنه كما يقول سوكال وبريكمونت، فإن نص بودريلارد «يتواصل في تصاعد تدريجي من الهراء». وهما يلفتان الانتباه مرة أخرى إلى ما يوجد من كثافة عالية للمصطلحات العلمية والزائفة علميا، التي تولج داخل الجمل، وهي - بقدر ما نستطيع فهمه - خاوية من أي معنى. وخلاصة حكمهم على بودريلارد يمكن أن تنطبق على أي من المؤلفين الآخرين الذين انتقدوا هنا، ويحتفى بهم في كل أمريكا:

والخلاصة أن المرء يجد في أعمال «بودريلارد» سيلا غزيرا من المصطلحات العلمية، تستخدم دون أي اعتبار لمعناها، ونجد أنها فوق كل شيء تستخدم في سياق من الواضح أنها لا علاقة لها به. وسواء فسرناها أو لم نفسرها كاستعارات مجازية، فإن من الصعب أن ندرك أي دور يمكن أن تقوم به، إلا أنها تعطي مظهرا من العمق لملاحظات مبتذلة حول علم الاجتماع أو التاريخ. ونجد فوق ذلك أن المصطلح العلمي يخلط بمفردات غير علمية تستخدم بالدرجة نفسها من السبب القذر. وبعد أن يقول بودريلارد وينقل كل ما يشاء فإن لنا أن نتساءل عما سيتخلف من فكره بعد أن نزيل عنه كل ما يغطيه من تلك القشرة الخادعة من الألفاظ.

96

خلاصة القول إن سوكال وبريكمونت يريدان أن يوصلا رسالة للعالم كله يعلنان فيها: (أ)

أن عالم الفكر في أحيان كثيرة لا يقدم فكرا حقيقيا، بل ضربا من الموضات الفكرية. (ب)

أن الكتاب يدعو إلى تنقية الفكر من الشوائب غير العلمية، وضرورة اعتماد الفكر على البيانات العلمية الدقيقة في بناء النظريات الفكرية. (ج)

أن أهميته تنطلق من أنه يدعو إلى الفكر الحقيقي الذي يساهم المفكر من خلاله في البناء الإنساني العام، ويدعو إلى فضح «الموضات الفكرية» التي يصبح فيها الكتاب والمفكرون مثل الببغاوات يرددون كلاما غير مفهوم، أو غير قائم على أساس سليم من المعلومات العلمية. (د)

أن الكتاب كشف عن فكرة تجنب أوهام المسرح التي نادى بها «فرنسيس بيكون»؛ الأمر الذي دعا سوكال وصاحبه إلى مناقشة - بتفصيل - عدد من المفكرين الفرنسيين المشهورين ويفضحا الأخطاء العلمية الخطيرة التي وقعوا فيها.

ولم يكتف سوكال بكتاب «اللغو الرائج» في نقد إبستمولوجيا ما بعد الحداثة، بل كتب دراسة أخرى مطولة كتبها بدون أن يشارك فيها آخرون، وكانت بعنوان «العلم الزائف ومذهب ما بعد الحداثة: أخصوم أم زملاء مسافرون

Fellow-Travelers? ». وقد ذكر سوكال أن فكرة هذا البحث تعول على أن «العلاقة المحالية بين نوعين عريضين من أنواع التفكير وهما: العلم الزائف ومذهب ما بعد الحداثة (أن كليهما سوف نعرفهم بوضوح أكثر بعد لحظة). من أول وهلة يبدو أن العلم الزائف ومذهب ما بعد الحداثة متعارضان؛ العلم الزائف يتميز بسذاجة مفرطة، بينما مذهب ما بعد الحداثة يتميز بشكوكية مفرطة. وبتوضيح أكثر، فإن أتباع العلم الزائف يعتقدون في النظريات أو الظواهر التي يرفضها العلم السائد تماما كعلم غير قابل للتصديق، بينما أتباع مذهب ما بعد الحداثة يعتقدون في النظريات التي يعتبرها العلم السائد بأنها قد تأسست ما بعد الشك المعقول».

صفحه نامشخص