ويعمد الجاحظ الى القرآن ليستدل من آياته التي ورد فيها النطق على فضيلة الكلام. فالكلام الذي تفوه به ابراهيم لدى تحطيمه الاوثان هو الذي نجاه. والكلام الذي تفوه به يوسف لدى عزيز مصر هو الذي لفت الى ذكائه وفطنته فقربه منه واكرمه.
ثم ان الكلام هو الذي برهن على شرائع الانبياء وشرحها وقربها من افهام الناس، وهو الصيغة التي يعبر بها المؤمن بشهادة الايمان. وعلى الكلام البليغ قامت معجزة القرآن. وكان النبي محمد افصح العرب وابلغهم بيانا.
رغم اتصاف العرب بالبيان ولا سيما قريش قبيلة الرسول.
ثم ان الكلام آلة الشكر على النعمة. وقد اوجب الله الشكر وقال لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
. والشكر لا يكون الا بالكلام.
واعظم دليل على فضيلة الكلام- وهنا يستعمل الجاحظ اللفظ بمعنى علم الكلام- هو الحاجة اليه لاثبات وجود الله وتصديق رسالة النبي، ومعرفة حقائق الاديان، والتمييز بين الحجة والشبهة، ودعم مبادىء المعتزلة في التعديل والتوحيد والاختيار.
وقد الف الجاحظ رسالة في فضل صناعة الكلام نشرناها في رسائل الجاحظ الكلامية.
وقد يتبادر الى الذهن ان الجاحظ يناقض نفسه ويقول الشيء وضده.
فهو في هذه الرسالة يذم الصمت ويمدح الكلام، بينما يدعو في «رسالة كتمان السر وحفظ اللسان» الى تقييد اللسان ويحث على السكوت. والواقع ان الجاحظ لا يقع في التناقض وانما يسوق في رسالة كتمان السر وحفظ اللسان اقوالا لبعض الحكماء تدعو الى اخضاع الكلام للعقل لكي لا يأتي لغوا
1 / 56