واستعهدناه بعدم اظهاره اغريناه باذاعته لأن كل ممنوع مرغوب. ويفسر الجاحظ رغبة الناس فيما منعوا منه بالطبع الذي يفسر به كل شيء لأنه مبدأه الفلسفي الاساسي. انهم مطبوعون على شهوات عديدة ترغب في الارتواء والاشباع.
فاذا منعت من الحصول على ما يشبعها او يرويها تعلقت به وفتشت عنه ورغبت فيه. فاذا حصلت على مطلوبها واشبعت حاجتها قل قدره عندها وهان عليها وصدفت عنه. هذا هو حال الجائع والشبعان والمحروم من الجماع والمغموس فيه. ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى المال والعلم، لأن المال يتخذه البعض لا لقضاء الحاجة بل لقمع الحرص والحرص لا حد له. ولأن العلم لا حد له ولا نهاية وكلما ازداد المرء طلبا ازداد فيه رغبة. ويرى الجاحظ في موقف الناس من المال والعلم خروجا على العقل لأن النهم هو تجاوز القدر.
ان اكثر الامور عرضة لافشاء السر الخبر الرائع والخطب الجليل مثل اسرار الاديان وعقائدها واخبار الملوك والعظماء.
وافشاء السر يمت بصلة الى الغيبة، والغيبة رذيلة خلقية كريهة لانها «خطة جور في الحكم، وسقوط في الهمة، وسخافة في الرأي، ودناءة في القيمة، وكلفة عريضة، وحسد وتعاسة قد استحوذت على هذا العالم وغلبت على طبائعه وتوكدت لسوء العادة عندهم ولعلو الشر على الخير وكثرة الدغل والنغل والحسد في القلوب ...» .
ويحض الجاحظ على العدل في الاحكام لانه لا شيء «احلى مذاقا من العدل، ولا اروح على القلوب من الانصاف، ولا امر من الظلم ولا ابشع من الجور» .
واسباب الظلم هي الشره والحرص المركب في اخلاق الناس ومن ثم
1 / 13