المجلد الأول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛ فإن الحديث النبوي الشريف قد استحوذ على هم الصحابة والتابعين وكل العلماء، فما من صغيرة ولا كبيرة، وما من أمر عظيم أو دقيق، حتى ما يتعلق في جزئيات حياته ﷺ من طعام أو شراب أو قيام أو قعود أو سفر أو حضر أو التفاتة إلا وأحاطوها بالعناية الكبرى فحفظوها وتناقلوها جيلا بعد جيل، وأمة بعد أمة، فالصحابة إذًا هم ذوو الفضل ولهم اليد الكريمة والعظيمة في علم الرواية للحديث حيث وضعوا القوانين والمبادئ التي تحقق ضبط العدل للحديث، ومن هم الرجال الذين يؤخذ عنهم ويُسمع منهم ومن هم الذين يترك كلامهم ولا تقبل منهم روايتهم.
ولقد وضع العلماء لرواة الحديث ألقابا كل حسب درجته وقوة ذكائه وكثرة حفظه وغير ذلك، ومن هذه الألقاب:
١- المسند: وهو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية.
٢- المحدث: وهو كما قال ابن سيد الناس: "من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه خطه واشتهر فيه ضبطه" انظر تدريب الراوي ص١١. وقسم الرواة ص١٩٧.
٣- الحافظ: وهو أرفع من المحدث وفي تعريفه يقول ابن الجزري: "من روى ما يصل إليه ووعى ما يحتاج لديه".
٤- الحجة: وهو الحافظ العظيم الإتقان والمدقق فيما يحفظ من الأسانيد والمتون تدقيقا بالغا ليصل حينذاك إلى لقب الحجة. أما المتأخرون من العلماء فقد عرفوه بأنه الذي يحفظ ثلاثمائة ألف حديث مع معرفة أسانيدها ومتونها.
٥- الحاكم: وهو الذي أحاط علما بجميع الأحاديث حتى لا يفوته منها إلا اليسير.
1 / 3
٦- أمير المؤمنين في الحديث: وهو الذي فاق حفظا وإتقانا في علم الأحاديث ومن هؤلاء: سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم. أما من المتأخرين فمنهم الحافظ بن علي بن حجر العسقلاني.
ولقد صنف الإمام الذهبي "تذكرة الحفاظ" جمع فيها من لقب بالحفاظ بالمعنى الذي يشمل الحافظ والحجة فما فوق.
الذهبي:
هو الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله، التركماني الأصل، الفارقي ثم الدمشقي، أبو عبد الله شمس الدين الذهبي.
هكذا ذكر نسبه الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "الدرر الكامنة" ويذكر لمحات عن حياته فيقول:
ولد في ثالث ربيع الآخر سنة ٦٧٣، وأجاز له في تلك السنة بعناية أخيه من الرضاعة الشيخ علاء الدين ابن العطار أحمد بن أبي الخير وابن الدرجي وابن علان وابن أبي اليسر وابن أبي عمر والفخر علي.
مهر في فن الحديث وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا، فله:
أخبار أبي مسلم الخراساني، أخبار قضاة دمشق، الإعلام بالوفيات، تاريخ الإسلام في اثني عشر مجلدا، التبيان في مناقب عثمان بن عفان، التجريد في أسماء الصحابة، تحريم الأدبار مجلدين، تشبيه الخسيس بأهل الخميس، التعزية الحسنة بالآخرة، تقويم البلدان، توقيف أهل التوقيف في مناقب أبي بكر الصديق، تهذيب التهذيب في أسماء الرجال، الدرة اليتيمة في سيرة ابن تيمية أعني تقي الدين أحمد، دول الإسلام في التاريخ. الروع والأوجال في نبأ المسيح والدجال، سيرة الحلاج، سير النبلاء في التاريخ والتراجم في عشرين مجلدا، العبر في خبر من غبر، العذب السلسل في الحديث المسلسل، العلو للعلي الأعلى الغفار في إيضاح الأخبار، عنوان السير في ذكر الصحابة، فتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب، قض نهارك بأخبار ابن مبارك، الكاشف في أسماء الرجال، المقتضب من تهذيب الكمال للمزي، كتاب العرش وصفته، كتاب الكبائر جزآن، كتاب الوتر، كشف الكربة عند فقد الأحبة، ما بعد الموت مجلد، المجرد في رجال الكتب الستة المختصر في محدثي العصر، مختصر سلاح المؤمن، مختصر معجم الشيوخ، المستحلى في اختصار المحلى، مشتبه النسبة في الأنساب، المعجم الصغير المسمى
1 / 4
باللطيف، المعجم الكبير، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، المغني في الضعفاء وبعض الثقات، المقتنى في سرد الكنى، منية الطالب لأعز المطالب، ميزان الاعتدال في نقد الرجال مجلدين مطبوع في الهند، نعم السمر في مناقب عمر ﵁، نقض الجعبة في أخبار شعبة، هالة البدر في عدد أهل بدر وغير ذلك١.
رأي العلماء في الإمام الذهبي:
يقول تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى "٩/ ٢٠١، ١٠٢": "وأما أستاذنا أبو عبد الله، فبَصَر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذَهَبُ العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها".
ثم يقول أيضا:
"وسمع منه الجمع الكثير، وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير الشمس إلا أنه لا يتقلص بالمطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال" "٩/ ١٠٣".
ويقول ابن كثير في "البداية والنهاية" "١٤/ ٢٥٥":
"وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه".
ويقول ابن شاكر الكتبي في "فوات الوفيات" "٢/ ٣٧٠":
"حافظ لا يجارى، ولاحظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس وأبان الإبهام في تواريخهم والإلباس. جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤنة التطويل في التأليف".
ويذكر ابن حجر مدح الصلاح الصفدي له فيقول:
"لم يكن عنده جمود المحدثين ولا كودنة "بلادة" النقلة، بل كان فقيه النفس، له دربة بأقوال الناس".
أما في نهاية حياته فيقول الإمام ابن حجر:
"وكان قد أضر قبل موته بسنوات، وكان يغضب إذا قيل له لو قدحت عينك لأبصرت؛ لأنه كان نزل فيها ماء، ويقول: ليس هذا ماء أنا ما زلت أعرف بصري ينقص قليلا قليلا إلى أن تكامل عدمه". ومات في ليلة الثالث من ذي القعدة سنة ٧٤٨هـ".
_________
١ انظر هدية العارفين "٢/ ١٥٤، ١٥٥".
1 / 5
الطبقة الأولى من الكتاب:
١- ١/١ ع أبو بكر الصديق ﵁: أفضل الأمة وخليفة رسول الله ﵌ ومؤنسه في الغار، وصديقه الأكبر، وصديقه الأشفق، ووزيره الأحزم، عبد الله بن أبي قحافة عثمان القرشي التيمي قد أفردت سيرته في مجلد وسط.
وكان أول من احتاط في قبول الأخبار فروى بن شهاب عن قبيصة بن ذويب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله ﵌ ذكر لك شيئا ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله ﵌ يعطيها السدس. فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر ﵁.
ومن مراسيل بن أبي مليكة أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله ﷺ أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.
فهذا المرسل يدلك أن مراد الصديق التثبت في الأخبار والتحري لا سد باب الرواية، ألا تراه لما نزل به أمر الجدة ولم يجده في الكتاب كيف سأل عنه في السنة، فلما أخبره الثقة ما اكتفى حتى استظهر بثقة آخر ولم يقل حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج.
وحديث يونس عن الزهري أن أبا بكر حدث رجلا حديثا فاستفهمه الرجل إياه فقال أبو بكر: هو كما حدثتك، أي أرض تقلني إذا أنا قلت ما لم أعلم؟ وصح أن الصديق خطبهم فقال: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار.
وقال علي بن عاصم وهو من أوعية العلم لكنه سيء الحفظ أنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: إياكم والكذب؛ فإن الكذب
1 / 9
مجانب الإيمان. قلت: صدق الصديق فإن الكذب أس النفاق وآية المنافق والمؤمن يطبع على المعاصي والذنوب الشهوانية لا على الخيانة والكذب، فما الظن بالكذب على الصادق الأمين صلوات الله عليه وسلامه وهو القائل: "إن كذبا علي ليس ككذب على غيري، من يكذبْ علي بني له بيت في النار" ١ وقال: "من يقل علي ما لم أقل" ٢، الحديث. فهذا وعيد لمن نقل عن نبيه ما لم يقله مع غلبة الظن أنه ما قاله فكيف حال من تهجم على رسول الله ﷺ وتعمد عليه الكذب وقوله ما لم يقل، وقد قال ﵇: "من روى عني حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" ٣ فإنا لله وإنا إليه راجعون ما ذي إلا بلية عظيمة وخطر شديد ممن يروي الأباطيل والأحاديث الساقطة المتهم نقلتها بالكذب، فحق على المحدث أن يتورع في ما يؤديه وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته، ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكى نقله الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل:
فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو سودت وجهك بالمداد
قال الله تعالى ﷿: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] فإن آنست يا هذا من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا وإلا فلا تتعن وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأى والمذهب فبالله لا تتعب وإن عرفت إنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك فبعد قليل ينكشف البهرج وينكب الزغل ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فقد نصحتك فعلم الحديث صلف فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب.
نعم؛ فرأس الصادقين في الأمة الصديق وإليه المنتهى في التحري في القول وفي القبول.
وقد نقل الحاكم فقال: حدثني بكر بن محمد الصيرفي بمرو أنا محمد بن موسى البربري أنا المفضل بن غسان أنا علي بن صالح أنا موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي حدثني القاسم بن محمد قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله ﷺ وكانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا قالت: فغمني
_________
١ رواه البخاري في كتاب الجنائز باب ٣٤.
٢ رواه ابن ماجه في المقدمة باب ٤. "٢٢١"
٣ رواه أحمد في مسنده "١/ ١١٣" "٤/ ٢٥٠، ٢٥٢، ٢٥٥".
1 / 10
فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها فقلت: لم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك. فهذا لا يصح والله أعلم.
توفي الصديق ﵁ لثمانٍ بقين من جمادي الآخرة من سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة.
٢- ٢/ ١ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أبو حفص العدوي الفاروق:
وزير رسول الله ﷺ ومن أيد الله به الإسلام وفتح به الأمصار وهو الصادق المحدث الملهم الذي جاء عن المصطفى ﷺ أنه قال: "لو كان بعدي نبي لكان عمر" ١ الذي فر منه الشيطان وأعلى به الإيمان وأعلن الأذان.
قال نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي ﵌ "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ".
فيا أخي إن أحببت أن تعرف هذا الإمام حق المعرفة فعليك بكتابي "نعم السمر في سيرة عمر" فإنه فارق فيصل بين المسلم والرافضي، فوالله ما يغض من عمر إلا جاهل دائص أو رافضي فاجر وأين مثل أبي حفص؟! فما دار الفلك على مثل شكل عمر وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب فروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع" قال: لتأتيني على ذلك بينة أو لأفعلن بك فجاءنا أبو موسى ممتقعا لونه ونحن جلوس فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا وقال: فهل سمع أحد منكم؟ فقلنا: نعم كلنا سمعه فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره. أحب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث؛ لكي يرتقي عن درجة الظن إلى درجة العلم؛ إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد، وقد كان عمر من وجله أن يخطىء الصاحب على
_________
٢- تهذيب الكمال: ٢/ ١٠٠٦. تهذيب التهذيب: ٧/ ٤٤١ "٧٢٥". تقريب التهذيب: ٢/ ٥٤. خلاصة تهذيب الكمال: ٢/ ٢٦٨. الكاشف: ٢/ ٣٠٩. الثقات: ٨/ ٤٤٧.
١ رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١٠٩.
1 / 11
رسول الله ﵌ يأمرهم أن يقلوا الرواية عن نبيهم ولئلا يتشاغل الناس بالأحاديث عن حفظ القرآن.
وقد روى شعبة وغيره عن بيان عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر وقال: أتدرون لم شيعتكم؟ قالوا: نعم تكرمة لنا قال: ومع ذلك أنكم تأتون أهل قرية لهم دوى بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم. فلما قدم قرظة بن كعب قالوا: حدثنا فقال: نهانا عمر ﵁.
الدراوردي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقلت له: أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته.
معن بن عيسى أنا مالك عن عبد الله بن إدريس عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله ﷺ.
ابن علية عن رجاء بن أبي سلمة قال: بلغني أن معاوية كان يقول: عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر فإنه كان قد أخاف الناس في الحديث عن رسول الله ﷺ.
وروى هشام عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أن عمر استشارهم في أملاص المرأة يعني السقط فقال له المغيرة: قضى فيه رسول الله ﷺ بغرة، فقال له عمر: إن كنت صادقا فأت بأحد يعلم ذلك. قال: فشهد محمد بن مسلمة أن رسول الله ﷺ قضى به. وروى صفوان بن عيسى أنا محمد بن عمارة عن عبد الله بن أبي بكر قال: كان للعباس بيت في قبلة المسجد فضاق المسجد على الناس فطلب إليه عمر البيع فأبى، فذكر الحديث وفيه فقال عمر لأبي: لتأتيني على ما تقول ببينة فخرجا فإذا ناس من الأنصار قال: فذكر لهم قالوا: قد سمعنا هذا من رسول الله ﷺ فقال عمر: أما إني لم أتهمك ولكني أحببت أن أتثبت.
وقال بن عيينة رأى عمر بن الخطاب ﵁ مع أبي جماعة فعلاه بالدرة فقال أبي: اعلم ما تصنع يرحمك الله. فقال عمر: أما علمت أنها فتنة للمتبوع مذلة للتابع.
استشهد أمير المؤمنين عمر في أواخر ذي الحجة من سنة ثلاث وعشرين وعاش نحوا من ستين سنة فمنهم من يقول عاش خمسين سنة والأرجح أنه عاش ثلاثا وستين سنة ﵁.
1 / 12
٣- ٣/ ١ع- أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁ أبو عمرو الأموي ذو النورين: ومن تستحي منه الملائكة، ومن جمع الأمة على مصحف واحد بعد الاختلاف، ومن افتتح نوابه إقليم خراسان وإقليم المغرب، وكان من السابقين الصادقين القائمين الصائمين المنفقين في سبيل الله، ممن شهد له رسول الله ﷺ بالجنة وزوجه بابنتيه رقية وأم كلثوم ﵃ أجمعين. من نظر في تحريه وقت أمره بجمع القرآن علم مرتبته وجلالته، وقد أفردت سيرته في مصنف، عداد في السابقين الأولين وفي العشرة المشهود لهم بالجنة وفي الخلفاء الراشدين، وهو أفضل من قرأ القرآن على النبي ﷺ، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وروى جملة كثيرة من العلم. روى عنه بنوه عمرو وأبان وسعيد ومولاه حمران وأنس بن مالك وأبو أمامة بن سهل والأحنف بن قيس وسعيد بن المسيب وأبو وائل وطارق بن شهاب وأبو عبد الرحمن السلمي وعلقمة بن قيس ومالك بن أوس بن الحدثان وخلق سواهم وعداده في البدريين لأن النبي ﷺ أمره أن يتخلف على زوجته رقية ابنة رسول الله ﷺ وضرب له بسهمه وأجره. هاجت رؤوس الفتنة والشر وأحاطوا به وحاصروه ليخلع نفسه من الخلافة وقاتلوه قاتلهم الله فصبر وكف نفسه وعبيده حتى ذبح صبرا في داره والمصحف بين يديه وزوجته نائلة عنده وتسور عليه أربعة أنفس. وقتله سودان بن حمران يوم الجمعة ثامن عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة، وعاش بضعا وثمانين سنة. كان من أقران النبي ﷺ وأبي بكر الصديق وكان أكبر من علي بثمان وعشرين سنة أو أكثر، وكان ممن جمع بين العلم والعمل والصيام والتهجد والإتقان والجهاد في سبيل الله وصلة الأرحام فقبح الله الرافضة.
قال هشام بن يوسف الصنعاني: أخبرنا عبد الله بن بحير عن هانئ مولى عثمان قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ﵁.
٤- ٤/ ١ع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁ أبو الحسن الهاشمي:
_________
٣- تهذيب التهذيب: ٧/ ١٣٩ "٢٨٩". تقريب التهذيب: ٢/ ١٢. تاريخ البخاري الكبير: ٢٠٨٦. الجرح والتعديل: ٦/ ١٦٠. تاريخ الثقات: ١١٠٩. شذرات الذهب: ١/ ١٠، ٢٥، ٣٠، ٣٣، ٤٣، ٤٥. نسب قريش: "١١٠" جمهرة أنساب العرب. ٨٣. أنساب الأشراف: ٤٤، ٤٥. أسماء الصحابة الرواة: ت: ٢٨.
٤- تهذيب الكمال: ٢/ ٩٧١. تهذيب التهذيب: ٧/ ٣٣٤ "٥٦٥". تقريب التهذيب: ٢/ ٣٩. خلاصة تهذيب الكمال: ٢/ ٢٥٠. تاريخ البخاري الكبير: ٦/ ٢٥٩. تاريخ البخاري الصغير: ١/ ٤٣٥. الجرح والتعديل: ٦/ ١٩١. أسد الغابة: ٤/ ٩١. الرياض المستطابة: ص١٦٣. تاريخ بغداد: ١/ ١٣٣. الإصابة: ٢/ ١٠٥. البداية والنهاية: ٧/ ٢٢٣، ٣٢٤، شذرات: ١/ ٤٩. تاريخ الخففاء: ١٦٦. تجريد أسماء الصحابة: ١/ ٣٩٢.الاستبصار: ٣٩٠. الحلية: ٢/ ٨٧، ٦١. طبقات ابن سعد: ٩/ ١٣٧. أسماء الصحابة الرواة: ت: ١٠.
1 / 13
قاضي الأمة وفارس الإسلام وختن المصطفى ﷺ، كان ممن سبق إلى الإسلام لم يتلعثم وجاهد في الله حق جهاده ونهض بأعباء العلم والعمل وشهد له النبي ﷺ بالجنة، وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" ١ وقال له "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" ٢ وقال: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" ٣.
ومناقب هذا الإمام جمة أفردتها في مجلدة وسميته "بفتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ﵁" وكان إماما عالما متحريا في الأخذ بحيث أنه يستحلف من يحدثه بالحديث فقال عثمان بن المغيرة الثقفي عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم الفزاري أنه سمع عليا يقول كنت إذا سمعت من رسول الله ﷺ حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه وكان إذا حدثني عنه غيره استحلفته فإذا حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله ﵌ يقول: "ما من عبد مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له" ٤ رواه مسعر وشريك وسفيان وأبو عوانة وقيس عنه وإسناده حسن.
قرأت على أبي الفضل بن عساكر عن عبد المعز بن محمد أنا تميم بن أبي سعيد المقرئ أنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن سنة تسع وأربعين وأربع مائة أنا محمد بن محمد الحافظ أنا أبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي بالكوفة أنا إسماعيل بن موسى الفزاري أنا عاصم بن حميد الحناط أو رجل عنه قال: ثنا ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن زياد النخعي قال: أخذ علي ﵁ بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس ثم تنفس فقال: يا كميل القلوب أوعية فخيرها أوعاها احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة فعالم رباني وعالم متعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق العلم خير من المال يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال ينقصه النفقة، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب اطاعة في حياته وجميل إلا حدوثه بعد موته وصنيعه، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه مات، خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة، ها إن
_________
١ رواه الترمذي كتاب المناقب باب ١٩. ابن ماج/ ٥ في المقدمة باب ١١.
٢ رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب ٩ الترمذي في كتاب المناقب باب ٢٠. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١١.
٣ رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب ٤. مسلم في كتاب الإيمان حديث ١٢٩، ١٣١.
٤ رواه أبو داود في كتاب الوتر باب ٢٦. الترمذي في كتاب الصلاة باب ١٨١.
1 / 14
هاهنا- وأشار بيده ﵁ إلى صدره- علما لو أصبت له حملة، بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على عباده، أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة اللهم لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذة سلس القياد للشهوات، أو مغرى بجمع الأموال والإدخار ليسا من دعاة الدين، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلي لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لئلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر تلك أبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى. أولئك خلفاء الله في بلاده والدعاة إلى دينه هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم رواه ضرار بن صرد عن عاصم بن حميد.
ويروى من وجه آخر عن كميل وإسناده لين؛ ففيه تنبيهات على صفات العالم المتقن والعالم الذي دونه والهمج المخلط في دينه أو علمه، وزاد فيه ضرار وليس بمعتمد عليه بعد قوله هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا منه ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في بلاده والدعاة إلى دينه.
سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال: ما كتبنا عن رسول الله ﵌ إلا القرآن وما في هذه الصحيفة.
شريك عن أبي إسحاق قال سمعت خزيمة بن نصير قال سمعت عليا يقول بصفين قاتلهم الله أي عصابة بيضاء سودوا، وأي حديث من حديث رسول الله ﵌ أفسدوا.
شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن قيس بن عباد قال: دخلت المدينة ألتمس العلم والشرف فرأيت رجلا عليه بردان له ضفيرتان واضعا يده على عاتق عمر فقلت: من هذا فقالوا: علي بن أبي طالب ﵁.
زياد بن خيثمة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يرخص لهم في معاصي الله ولم يؤمنهم مكر الله.
وقال معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي قال: حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله. فقد زجر الإمام علي ﵁ عن رواية المنكر وحث علي التحديث بالمشهور وهذا أصل كبير في الكف عن بث الأشياء
1 / 15
الواهية والمنكرة من الأحاديث في الفضائل والعقائد والرقائق ولا سبيل إلى معرفة هذا من هذا إلا بالإمعان في معرفة الرجال والله أعلم.
وقد استشهد أمير المؤمنين في سابع عشر رمضان من عام أربعين وسنه ستون سنة أو أقل أو أكثر بسنة أو سنتين ﵁.
٥- ٥/ ١ع ابن مسعود الإمام الرباني ﵁ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أم عبد الهذلي: صاحب رسول الله ﵌ وخادمه وأحد السابقين الأولين ومن كبار البدريين ومن نبلاء الفقهاء والمقرئين، كان ممن يتحرى في الأداء ويشدد في الرواية ويزجر تلامذته عن التهاون في ضبط الألفاظ.
أسلم قبل عمر وحفظ من في رسول الله ﵌ سبعين سورة وتسمع عليه النبي ﵌ ليلة وهو يدعو فقال: سل تعطه، وقال: "من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراة بن أم عبد" ١.
قال إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال أتينا حذيفة فقلنا له حدثنا عن أقرب الناس من رسول الله ﵌ هديا ودلا وسمتا فنأخذ عنه ونسمع منه، قال: هو بن مسعود ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد ﵌ ان بن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفى.
الثوري عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال قرئ علينا كتاب عمر: إني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب محمد ﵌ من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي.
وقد نظر عمر مرة إلى ابن مسعود وقد قام فقال: كنيف٢ ملئ علما. وكان بن مسعود يقل من الرواية للحديث ويتورع في الألفاظ.
_________
٥- تهذيب الكمال: ٢/ ٧٤٠. تهذيب التهذيب: ٦/ ٢٧ "٤٢". تقريب التهذيب: ١/ ٤٥٠ "٦٣٠". خلاصة تهذيب الكمال: ٢/ ٩٩. الكاشف: ٢/ ١٣٠. تاريخ البخاري الكبير: ٥/ ٢. تاريخ البخاري الصغير: ١/ ٦٠، ٧٢، ٧٣، ٧٤. الجرح والتعديل: ٥/ ١٤٩. الثقات: ٣/ ٢٠٨. أسد الغابة: ٣/ ٣٨٤. تجريد أسماء الصحابة. ١/ ٣٣٤. الإصابة: ٢/ ٣٦. ٤. ٢٣٣. الاستيعاب "٣-٤" ٩٨٧. الوافي بالوفيات: ١٧/ ٤٠٦ سير الأعلام: ١/ ٤٦١. الحلية: ١/ ٣٧٥. طبقات ابن سعد: ٩/ ١٢٢. والفهرس. أسماء الصحابة الرواة. ت٨.
١ رواه ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١١. أحمد في مسنده "١/ ٧، ٢٦. ٣٨.
٢ الكنيف: تصغير كنف - الوعاء
1 / 16
اتفق موته بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وله نحو من ستين سنة، وكان تلامذته لا يفضلون عليه أحدا من الصحابة ﵃.
أبو شهاب عبد ربه الحناط عن محمد بن واسع عن سعيد بن جبير عن أبي الدرداء قال خطب النبي ﵌ خطبة خفيفة ثم قال: "قم يا أبا بكر" فقام فخطب فقصر دون النبي ﵌ فقال: "قم يا عمر فاخطب". فقام فخطب فقصر دون أبي بكر، ثم قال: قم يا فلان فاخطب إلى أن قال: قم يا بن أم عبد فاخطب فقام عبد الله بن أم عبد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الله ربنا وإن الإسلام ديننا وإن هذا نبينا وأومأ بيده إلى النبي ﵌ رضينا ما رضى الله لنا ورسوله السلام عليكم قال رسول الله ﵌: أصاب ابن أم عبد، صدق ابن أم عبد. هذا منقطع.
شريك عن أبي العميس عن مسلم البطين عن أبي عمرو الشيباني قال: كنت اجلس إلى ابن مسعود حولا لا يقول: قال رسول الله ﵌. إلا استقلته الرعدة وقال: هكذا، أو نحو ذا أو قريب من ذا أو أو ...
يونس عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن مسعود قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم.
أبو الأحوص عن عبد الله قال: كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع.
حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة قال بن مسعود: عليكم بالعلم قبل أن يقبض؛ وقبضه ذهاب أهله؛ فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه، وستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم فعليكم بالعلم وإياكم والتبدع وإياكم والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق.
سفيان عن أبي إسحاق عن مرة عن عبد الله: إذا أردتم العلم فانثروا القرآن؛ فإن فيه علم الأولين والآخرين.
الأعمش عن عمارة ومالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله: الاقتصاد في السنة أفضل من الاجتهاد في البدعة.
يمكن أن يجمع سيرة ابن مسعود في نصف مجلد فلقد كان من سادة الصحابة وأوعية العلم وأئمة الهدي، ومع هذا فله قراءات وفتاوى ينفرد بها، مذكورة في كتب العلم، وكل إمام يؤخذ من قوله ويُترك إلا إمام المتقين الصادق المصدوق الأمين المعصوم صلوات الله
1 / 17
وسلامه عليه، فيا لله العجب من عالم يقلد دينه إماما بعينه في كل ما قال مع علمه بما يرد على مذهب إمامه من النصوص النبوية فلا قوة إلا بالله.
٦- ٦/ ١ع أبي بن كعب بن قيس أبو المنذر الأنصاري الخزرجي النجاري: أقرأ الصحابة وسيد القراء، شهد بدرا والمشاهد وقرأ القرآن على النبي ﷺ وكان أحد من سمع الكثير وجمع بين العلم والعمل ومناقبه جمة. حدث عنه أبو أيوب الأنصاري وابن عباس وسويد بن غفلة وأبو هريرة وطائفة حملوا عنه الكتاب والسنة، وكان ربعة من الرجال أسمر أبيض الرأس واللحية.
روى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: قال رجل لأبي بن كعب: أوصني، قال: اتخذ كتاب الله إماما وارض به حكما وقاضيا، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع مطاع وشاهد لا يتهم. فيه ذكركم وذكر من قبلكم وحكم ما بينكم وخبركم وخبر ما بعدكم.
وقد كان عمر بن الخطاب ﵁ يكرم أبيا ويهابه، ويستفتيه ولما توفي قال عمر: اليوم مات سيد المسلمين.
توفي بالمدينة في قول الهيثم بن عدي وغيره سنة تسع عشرة وقال الواقدي ومحمد بن عبد الله بن نمير والذهلي وغيرهم: سنة اثنتين وعشرين١ ﵁.
٧- ٧/ ١ع- أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة على الصحيح: أحد السابقين الأولين. أسلم في أول المبعث خامس خمسة ثم رجع إلى بلاد قومه ثم بعدَ حينٍ هاجر إلى المدينة، وكان رأسا في العلم والزهد والجهاد وصدق اللهجة والإخلاص، وكان آدم جسيما كث الليحة. قال أبو داود: لم يشهد بدرا ولكن عمر ألحقه مع القراء وكان يوازي ابن مسعود في العلم وكان رزقه أربع مائة دينار وكان لا يدخر مالا ويصدع بالحق وإن كان مرا، حدث عنه أنس بن مالك وزيد بن وهب وجبير بن نفير والأحنف بن قيس وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ وعبد الرحمن بن غنم وسعيد بن المسيب وخلق من قدماء التابعين.
_________
٦- أسد الغابة: ت ٣٣. تهذيب التهذيب: ١/ ١٨٧. تقريب التهذيب: ١/ ٤٨. الإصابة: ١/ ١٦. الثقات: ٣/ ٥. تاريخ ابن معين: ١٥٦٤. الجرح والتعديل: ٢/ ٢٩٠. سير أعلام النبلاء: ١/ ٣٨٩. مشاهير علماء الأمصار: ١٢. تلقيح الفهوم: ٣٦٤. أسماء الصحابة الرواة: ٢٥.
١ وقيل سنة اثنتين وثلاثين.
٧- تهذيب: ١٢/ ٩٠ رقم "٤٠". تقريب: ٢/ ٤٢٠.
1 / 18
ومناقبه شهيرة، منها قول المصطفى ﷺ: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر" ١.
وروى همام عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر ﵁ قال: إن خليلي ﵌ عهد إلي: "أيما ذهب أو فضة أوكي عليه فهو جمر على صاحبه حتى ينفقه في سبيل الله ﷿".
البابلتي أخبرنا الأوزاعي حدثني مرثد أبو كثير عن أبيه عن أبي ذر أن رجلا أتاه، فقال: إن مصدقي عثمان "﵁" ازدادوا علينا أنغيب عليهم بقدر ما ازدادوا علينا فقال: لا، وقف مالك وقال: ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلا فردوه. فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة، قال وعلى رأسه فتى من قريش فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا فقال: أرقيب أنت علي فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله ﷺ قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها قلت لقوة أبي ذر في الحق ولأخلاقه نهى عن الفتيا فانقطع بالربذة سنوات حتى توفي سنة اثنتين وثلاثين ﵁.
٨- ٨/ ١ع معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس العالم الرباني أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي: شهد العقبة وهو بن ثمان عشرة سنة أو دونها وشهد بدرا والمشاهد وكان من نجباء الصحابة وفقائهم والبائهم ضي الله عنه.
قال محمد بن سعد: كان معاذ بن جبل رجلا طوالا أبيض حسن الثغر عظيم العينين مجموع الحاجبين جعدا قططا.
قلت: حدث عنه أنس بن مالك وأبو الطفيل وأسلم مولى عمر، والأسود بن هلال والأسود بن يزيد وأبو مسلم الخولاني وأبو وائل وأبو بحرية السكوني عبد الله بن قيس والصنابحي وعبد الرحمن بن غنم ومالك بن يخامر ومسروق وقيس بن أبي حازم ويزيد بن
_________
١ رواه الترمذي في كتاب المناقب باب ٣٥. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١١.
٨- تهذيب الكمال: ٣/ ١٣٣٨. تهذيب التهذيب: ١٠/ ١٨٦ "٣٤٧". تقريب التهذيب: ٢/ ٢٥٥. خلاصة تهذيب الكمال: ٣/ ٣٥. تاريخ البخاري الكبير: ٧/ ٣٥٩. تاريخ البخاري الصغير: ١/ ٤١، ٤٧، ٤٩، ٥٢، ٥٣، ٥٤، ٥٨، ٦٦، ٧٣، ١٥٧، ١٧٦. الثقات: ٣/ ١٦٨. أسد الغابة: ٥/ ١٩٤. تاريخ الإسلام: ٣/ ١٠٥. شذرات: ١/ ٣٠، ٦٢، ٦٣. طبقات الحفاظ: ٦، ٢٤. تجريد أسماء الصحابة: ٢/ ٨٠. الاستيعاب: ٣/ ١٤٠٢. سير الأعلام: ١/ ٤٤٣. الحلية: ١/ ٢٢٨. طبقات ابن سعد: ٩/ ١٨٤ والفهرس. أسماء الصحابة الرواة: ت: ٢٧.
1 / 19
عميرة الزبيدي وطائفة، وفيهم من روايته عنه منقطعة وقد قال له النبي ﵌: "يا معاذ والله إني لأحبك".
وعن النبي ﵌: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ ".
وعنه ﵇: "يأتي معاذ أمام العلماء برتوة" إسناده مرسل.
قال بن مسعود: كنا نشبه معاذ بإبراهيم الخليل ﵇، كان أمة قانتا لله حنيفا.
وروى شهر بن حوشب أن عمر ﵁ قال: لو استخلفت معاذا فسألني عنه ربي ﷿ لقلت سمعت نبيك ﵌ يقول: "إن العلماء إذا حضروا ربهم كان معاذ بين أيديهم رتوة حجر ".
وقال أبو مسلم الخولاني: دخلت مسجد حمص فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلا من الصحابة وفيهم شاب أكحل براق الثنايا ساكت فإذا امتروا في شيء سألوه فقيل لي: هذا معاذ.
ورواه شهر بن حوشب عن بن غنم عن عائذ الله بن عبد الله أنه دخل المسجد أول خلافة عمر وفي الحلقة شاب شديد الأدمة وضيء حلو المنطق وهو أشبهم سنا فإذا اشتبه عليهم شيء ردوه إليه.
وروى أيوب بن سيار عن يعقوب بن زيد عن أبي بحرية قال دخلت مسجد حمص فإذا بفتى جعد قطط حوله الناس إذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ فقالوا: هذا معاذ بن جبل.
أبو عبيد في الأموال أخبرنا عبد الله بن صالح أخبرنا موسى بن علي عن أبيه عن عمر قال خطبهم بالجابية فقال: من أراد القرآن فليأت أبيا، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيدا ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذا ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله جعلني له خازنا وقاسما،
صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني أن معاذا لما بعثه النبي ﵌ إلى اليمن خرج يشيعه ماشيا تحت راحلته ثم قال يا معاذ عسى الا أن تلقاني بعد عامي هذا ولعلك تمر بمسجدي وقبري فبكى معاذ أسفا لفراق رسول الله صلى الله عليه وآله: وسلم فقال: "لا تبك البكاء من الشيطان" سمعه أبو اليمان منه.
معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه قال: كان معاذ شابا
1 / 20
سمحا جميلا من أفضل شباب قومه وكان لا يمسك فلم يزل يدان حتى اغلق ماله كله من الدين فطلب من النبي ﵌ أن يسأل غرماءه أن يضعوا له فباع النبي ﵌ ماله كله في دينه وقام بغير شيء حتى إذا كان عام
تح بعثه النبي ﵌ إلى طائفة من اليمن أميرا ليجبره، الحديث.
أنبأنا المسلم بن محمد وغيره قالوا: أخبرنا الكندي أخبرنا الشيباني أخبرنا الخطيب أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي املاء سنة ست وأربع مائة أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن موسى الأنباري ولقبه حسنس أنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا أبو النضر عن الأشجعي عن سفيان عن حصين عن رجل عن معاذ بن جبل قال كان رسول الله ﵌ يقول إذا أفطر: "الحمد الله الذي أعانني فصُمت، ورزقني فأفطرت".
استشهد معاذ في الطاعون بالأردن في سنة ثماني عشرة وله خمس وثلاثون سنة تقريبا ﵁.
٩- ٩/١ ع- سعد بن أبي وقاص ﵁، مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الأمير أبو إسحاق الزهري البدري العشري: أول من رمى بسهم في سبيل الله، روى عنه بنوه عامر ومحمد ومصعب وإبراهيم وعمر وعائشة وقيس بن أبي حازم وسعيد بن المسيب وعلقمة وأبو عثمان النهدي ومجاهد وأيمن المكي وخلق.
أسلم وهو ابن سبع عشرة سنة وكان قصيرا غليظا جعدا شعر الجسم آدم أفطس وقيل كان طويلا.
روى نافع القارىء عن ولد لسعد عن أبيه قال: أسلمت وما في وجهي شعرة. وقال بن المسيب: سمعت سعدا يقول: مكثت ليالي وإني لثلث الإسلام. وقال سعد: قال لي رسول الله ﵌: "ارم فداك أبي وأمي" يوم أحد وكان سعد مجاب الدعوة. له مناقب جمة وجهاد عظيم وفتوحات كبار ووقع في نفوس المؤمنين.
اعتزل الفتنة ولم يقاتل مع علي ومعاوية ثم كان علي يغبطه على ذلك.
_________
٩- تهذيب الكمال: ١/ ٣٧١. تهذيب التهذيب: ٣/ ٤٧٩. تقريب التهذيب: ١/ ٢٨٩. الكاشف: ١/ ٣٥٤. تاريخ البخاري الكبير: ٤/ ٧٣. تاريخ البخاري الصغير: ١/ ٢٦، ٥١، ٦٩، ٧٢، ٨٣، ٩١، ١٠٠، ١٠١، ١٠٤، ١٠٨، ١١٤، ٢٥٠. الجرح والتعديل: ٤/ ٩٣. أسد الغابة: ٢/ ٣٦٦. تجريد أسماء الصحابة: ١/ ٢١٨. الاستيعاب: ٢/ ٦٠٦.الإصابة: ٣/ ٧٣. طبقات ابن سعد: ٩/ ٨٠. الخلية: ١/ ٣٦٨. سير الأعلام: ١/ ٩٢. الوافي بالوفيات: ١٥/ ١٩٩. البداية والنهاية: ٣/ ٣١٩، ٨/ ٧٢. أسماء الصحابة الرواة: ب١٦.
1 / 21
فعنه أنه قال: لله منزل نزله سعد وابن عمر، لئن كان ذنبا إنه لصغير ولئن كان حسنا إنه لعظيم.
قال الزهري: إن سعدا لما احتضر دعا بخلق جبة صوف وقال: كفنوني فيها؛ فإني قاتلت فيها يوم بدر وإنما خبأتها لهذا، وقيل: إن تركته كانت مائتي ألف درهم وخمسين ألف درهم وكان قد اعتزل في قصر بناه بالعقيق سنة خمس وخمسين وحمل فدفن بالبقيع.
١٠- ١٠/ ١ ع- أبو موسى الأشعري ﵁، عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب:
هاجر إلى النبي ﵌ فقدم مع جعفر زمن فتح خيبر واستعمله النبي ﷺ مع معاذ على اليمن ثم ولي لعمر الكوفة والبصرة وكان عالما عاملا صالحا تاليا لكتاب الله إليه المنتهى في حسن الصوت بالقرآن. روى علما طيبا مباركا وأقرأ القرآن. حدث عنه طارق بن شهاب وابن المسيب والأسود وأبو وائل وأبو عبد الرحمن السلمي وربعي بن بن حراش وأبو عثمان النهدي وخلق، أقرأ أهل البصرة وأفقههم.
شعبة وغيره عن سماك بن حرب سمعت عياضا الأشعري يقول: لما نزلت ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه﴾ [المائدة: ٥٤] قال رسول الله ﵌: "هم قومك يا أبا موسى" وأومى إليه. صححه الحاكم وإنما يرويه عياض عن أبي موسى.
وفي الصحيحين عن أبي بردة عن أبيه أن النبي ﵌ قال: "اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما ".
وعن بريدة أن النبي ﵌ تسمع لقراءة أبي موسى فقال: "لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود" ١.
وقال البختري سألنا عليا عن أبي موسى قال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه. قال أبو إسحاق سمعت الأسود يقول: لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى. وقال الشعبي: كان العلم يؤخذ عن ستة: عمر وعلي وأبي وابن مسعود وزيد، وأبي موسى. وقال أيضا: قضاة الأمة أربعة: عمر وعلي وزيد وأبو موسى ﵃.
_________
١٠- تهذيب الكمال: ٢/ ٧٢٤. تهذيب التهذيب: ٥/ ٣٦٢ "٦٢٥". تقريب التهذيب: ١/ ٤٤١ "٥٥١".. خلاصة تهذيب الكمال: ٢/ ٨٩. الكاشف: ٢/ ٨٩. الكاشف: ٢/ ١١٩. تاريخ البخاري الكبير: ٥/ ٢٢، ١٧٢. الجرح والتعديل: ٥/ ١٣٨، ٦٤٣، ٦٤٤. الثقات: ٣/ ٢٢١. التجريد: ١/ ٣٣٠. الإصابة: ٤/ ٢١١. الاستيعاب: "٣-٤" ٦ ٧٩.الوافي بالوفيات: ١٧/ ٤٠٧. سير الأعلام: ٢/ ٣٨٠. أسماء الصحابة الرواة ت ١٣.
١ رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب ٣١. مسلم في كتاب المسافرين حديث ٢٣٥، ٢٣٦.
1 / 22
وقال صفوان بن سليم: لم يكن يفتي في زمن النبي ﵌ غير عمر وعلي ومعاذ وأبي موسى. وقال النهدي: ما سمعت طنبورا ولا صنجا ولا مزمارا أحسن من صوت أبي موسى، كان يصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة. وكان أبو موسى عابدا صواما قواما كبير القدر. مات في ذي الحجة سنة أربع وأربعين١ على الصحيح ﵁.
١١- ١١/ ١ ع- أبو الدرداء عويمر بن زيد ﵁ ويقال عويمر بن عبد الله ويقال بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي الإمام الرباني: وكان يقال: هو حكيم هذه الأمة. قيل إن إسلامه تأخر إلى يوم بدر ثم شهد أحدا وأبلى يومئذ بلاء حسنا وحفظ القرآن عن رسول الله ﵌ وكان عالم أهل الشام ومقرئ أهل دمشق وفقيههم وقاضيهم.
روى جملة أحاديث روى عنه ابنه بلال وزوجته أم الدرداء الفقيهة وجبير بن نفير وعلقمة وسعيد بن المسيب وخالد بن معدان وأبو إدريس الخولاني وعدة، آخى رسول الله ﵌ بينه وبين سلمان.
وروى العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة قال: قال أبو الدرداء: بعث النبي ﷺ وأنا تاجر فأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة فلم تجتمعا فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة، والذي نفسي بيده ما أحب أن لي حانوتا على باب لا تخطئني فيه صلاة أربح فيه كل يوم أربعين دينارا وأتصدق بها كلها قيل وما تكره من ذلك قال شدة الحساب.
شعبة عن عمرو بن مرة عن شيخ عن أبي الدرداء قال: أحب الموت اشتياقا إلى ربي، وأحب الفقر تواضعا لربي، وأحب المرض تكفيرًا لخطيئتي، مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين، وفي صحيح البخاري عن أنس قال: مات النبي ﷺ ولم يجمع القرآن غير أربعة، أبي الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي زيد. قال القاسم بن عبد الرحمن: كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم. وروى أبو الضحى عن مسروق قال: وجدت علم أصحاب محمد ﵌ انتهى إلى ستة: إلى عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت ﵃.
وقال بن أبي مليكة سمعت يزيد بن معاوية يقول: إن أبا الدرداء من الفقهاء العلماء الذين يشفون من الداء.
_________
١ وقيل عام ٥٠.
١١- تهذيب التهذيب: ٨/١٧٥ "٣١٥". تاريخ البخاري الكبير: ٧/ ٧٦. الثقات: ٣/ ٨٥. أسد الغابة: ٤/ ٢١٨. تجريد أسماء الصحابة: ١/ ٤٣٠. الاستيعاب: ٣/ ١٢٢٧. طبقات ابن سعد: ٢/ ٣٥٢.
1 / 23
وروى الليث بن سعد عن فلان قال: رأيت أبا الدرداء دخل المسجد ومعه من الأتباع مثل ما يكون مع السلطان وهم يسألونه عن العلم.
١٢- ١٢/ ١ ع- عبد الله بن سلام بن الحارث الحبر أبو يوسف الإسرائيلي ﵁ حليف الأنصار: أسلم وقت مقدم النبي ﷺ المدينة وكان اسمه الحصين فسماه رسول الله ﵌ عبد الله وشهد له بالجنة وفيه نزلت: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِه﴾ [الأحقاف: ١٠] وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب﴾ [الرعد: ٤٣] وكان عبد الله عالم أهل الكتاب وفاضلهم في زمانه بالمدينة. وروى عدة أحاديث. حدث عنه أنس بن مالك وزرارة بن أوفى قاضي البصرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو سعيد المقبري وأبو بردة بن أبي موسى وابناه يوسف ومحمد ابنا عبد الله وآخرون.
معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن يزيد بن عميرة قال لما احتضر معاذ قيل له أوصنا قال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما فالتمسوا العلم عند أبي الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام الذي أسلم فإني سمعت رسول الله ﵌ يقول: "إنه عاشر عشرة في الجنة"، أخرجه الترمذي.
مالك عن سالم أبي النضر عن عامر بن سعد عن أبيه قال: ما سمعت رسول الله ﵌ يقول لأحد إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام، وفيه نزلت ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِه﴾ متفق عليه.
عاصم بن بهدلة عن مصعب عن أبيه قال: قال رسول الله ﵌: "يدخل من هذا الفج رجل من أهل الجنة"، فدخل ابن سلام ومن غير وجه أن ابن سلام رأى رؤيا فقصها على النبي ﵌ فقال له: "تموت وأنت مستمسك بالعروة الوثقى"، وعنه أنه مر يحمل حزمة حطب فقيل: أليس قد أغناك الله عن هذا؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أقمع الكِبْر.
إبراهيم بن أبي يحيى أنا معاذ بن عبد الرحمن عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن
_________
١٢- تهذيب الكمال: ٢/ ٦٤. تهذيب التهذيب: ٥/ ٢٣٩ "٤٣٧". تقريب التهذيب: ١/ ٤٢٢ "٣٧٠". خلاصة تهذيب الكمال: ٥/ ٦٢. تاريخ البخاري الكبير: ٣/ ١٨. تاريخ البخاري الصغير: ١/ ٧١، ٧٤، ٩٢، ٩٣. الجرح والتعديل: ٥/ ٣٨٨. أسد الغابة: ٣/ الاستيعاب: ٣/ ٩٢١. الوافي بالوفيات: ١٧/ ١٩٨. الثقات: ٣/ ٢٢٨. أسماء الصحابة الرواة: ت/ ٣١٥، ١٠٥. نفقة الصديان: ت ٢٤٥.
1 / 24
أبيه أنه جاء إلى النبي ﵌ فقال: إنى قرأت القرآن والتوراة فقال: "اقرأ هذا ليلة وهذا ليلة"، فهذا إن صح ففيه الرخصة في تكرير التوراة وتدبرها، اتفقوا على موت بن سلام في سنة ثلاث وأربعين بالمدينة ﵁.
١٣- ١٣/ ١ع- أم المؤمنين عائشة ﵂ أم عبد الله حبيبة رسول الله ﵌ بنت خليفة رسول الله ﵌ أبي بكر الصديق ﵁: من أكبر فقهاء الصحابة. كان فقهاء أصحاب رسول الله ﵌ يرجعون إليها. تفقه بها جماعة.
بنى بها النبي ﵌ في شوال بعد وقعة بدر فأقامت في صحبته ثمانية أعوام وخمسة أشهر فكانت أحب نسائه اليه.
ونزلت الآيات في تبرئتها مما رماها به أهل الإفك وعاشت خمسا وستين سنة. حدث عنها جماعة من الصحابة ومسروق والأسود وابن المسيب وعروة والقاسم والشعبي وعطاء وابن أبي مليكة ومجاهد وعكرمة وعمرة ومعاذة العدوية ونافع مولى بن عمر وخلق كثير.
يروى عن قبيصة بن ذؤيب قال: كانت عائشة أعلم الناس يسألها أكابر الصحابة.
وروى أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد ﵌ حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما.
قلت: كانت غزيرة العلم بحيث إن عروة يقول: ما رأيت أحدا أعلم بالطب منها، وقال علي بن مسهر أخبرنا هشام عن أبيه قال: ما رأيت أحدا من الناس أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحلال وحرام ولا بشعر ولا بحديث العرب ولا النسب من عائشة ﵂.
روى هشام عن أبيه أن معاوية بعث إلى عائشة بمائة ألف فوالله ما غابت عليها
_________
١٣- تهذيب "١٢/ ٤٣٣ رقم ٢٨٤١". التقريب: ٢/ ٦٠٦. أسماء الصحابة الرواة: ت: ٤. الثقات: ٣/ ٣٢٣. أسد الغابة: ٧/ ١٨٨. أعلام النساء: ٣/ ٩. تنوير قلوب المسلمين: ٥٤، ١١٦. تجريد أسماء الصحابة: ٢/ ٢٨٦. الكاشف: ٣/ ٤٧٦ تهذيب الكمال: ٣/ ١٦٨٩. الخلاصة: ٣/ ٣٨٧. الحلية: ٢/ ٤٣. تذكرة: ١/ ٢٧. شذرات: ١/ ٦١. طبقات ابن سعد: ٨/ ٣٩. معجم طبقات الحفاظ: ١٠٥. التاريخ الصغير: ١/ ٩٩، ١٠٠، ١٠٢، ١٠٣. أزمنة التاريخ الإسلامي: ٩٨٩. تلقيح فهوم أهل الأثر: ٢٠، ٣٦٣.
1 / 25