تذکره فخریه
التذكرة الفخرية
لا تأسفنَّ على الصباحِ فحسبُنا ... ضوءُ السوالفِ والسلافُ صباحا
فضَّ النديمُ ختامَها فكأنَّما ... فضَّ الختامَ عن العبيرِ ففاحا
لم ندرِ إذ حثَّ السقاةُ كؤوسَها ... أكواكبًا يحملنَ أمْ أقداحا
وقال عبد الله بن المعتز:
سقى المطيرةَ ذاتَ الظلِّ والشجرِ ... وديرَ عبدونَ هطّالٌ من المطرِ
فطالما نبّهتْني للصبوح به ... في عزَّةِ الفجرِ والعصفورُ لم يطر
أصوات رهبانِ دير في صلاتِهم ... سودِ المدارعِ نعّارينَ في السحرِ
مُزنَّرين على الأوساطِ قد جعلوا ... على الرؤوسِ أكاليلًا من الزهرِ
كم فيهم من مليحِ الوجهِ مُكتحلٍ ... بالسحرِ يكسرُ جفنيهِ على حورِ
لاحظتهُ بالهوى حتّى استقادَ له ... طوعًا وأسلفني الميعاد بالنظرِ
هذا شعر يحير الألباب، ويعرّف كيف تؤتى البيوت من الأبواب، فإنه بديع في المعنى المراد، وما أطيب ما قد أسلفه هذا الميعاد.
وجاءني في قميصِ الليلِ مستترًا ... يستعجلُ الخطوَ من خوفٍ ومنْ حذرِ
ولاحَ ضوءُ هلالٍ كادَ يفضحهُ ... مثل القلامةِ إذْ قُصتْ من الظفرِ
فقمتُ أفرشُ خدِّي في الطريقِ له ... ذلًاّ وأسحبُ أكمامي على الأثرِ
وكانَ ما كانَ مما لستُ أذكرهُ ... فظنَّ خيرًا ولا تسألْ عن الخبرِ
ومغرمٍ باصطباحِ الراحِ نادمَني ... لم تُبقِ لذَّته وفرًا ولم تذرِ
ما زلتُ أسقيهِ من حمراءَ صافيةٍ ... عجوزِ دسكرةٍ شابتْ من الكبرِ
راحَ الفراتُ على أغصانِ كرمتِها ... بجدولٍ من زلالِ الماءِ منفجرِ
حتّى إذا نارُها جاشتْ بمرجلِها ... بفائرٍ من هجيرِ الشمسِ مستعرِ
ظلَّت عناقيدُها يبرزنَ من ورقٍ ... كأنَّها الزنجُ في خضرٍ من الأرزِ
وطافَ قاطفُها فيها فسلَّمها ... إلى خوابيَ قد عُممنَ بالمدرِ
وقال أبو دلف القاسم بن عيسى:
وقهوةٍ كشعاع الشمس رونقها ... ليست من الخمر إلاّ في معانيها
تخال منها حواشي الكأس خاليةً ... لولا أكاليل درٍّ في أعاليها
ابن المعتز:
وكرخيّةِ الأنسابِ أو بابليّةٍ ... ثوتْ حقبًا في ظلمةِ القار لا تسري
أرقتُ صفاءَ الماءِ فوقَ صفائِها ... فخلتُها سُلاّ من الماءِ والبدرِ
وقال أبو عبد الله بن الحجاج:
يا صاحبيّ استيقظا من رقدةٍ ... تزري على عقلِ اللبيبِ الأكيسِ
هذي المجرَّةُ والنجومُ كأنَّها ... نهرٌ تدفَّقَ في حديقةِ نرجسِ
وأرى الصبا قد غلّستْ بنسيمِها ... فعلامَ شربي الراحَ غيرَ مغلسِ
قوما اسقياني قهوةً روميةً ... مذ عهدِ قيصرَ دنُّها لم يُمسسِ
بكرٌ تضيفُ إذا تسلطَ حكمُها ... موتَ العقولِ إلى حياةِ الأنفسِ
وقال أبو عبادة البحتري:
فاشربْ على زهرِ الرياضِ يشوبهُ ... زهرُ الخدودِ وزهرةُ الصهباءِ
من قهوةٍ تُنسي الهمومَ وتبعث ال ... شوقَ الذي قد ظلَّ في الأحشاءِ
تخفي الزجاجةَ لونُها فكأنَّها ... في الكفِّ قائمةٌ بغيرِ إناءِ
وقال أبو نواس:
ويعجبني حثيث الكأ ... سِ بين الناي والوترِ
ترى جثمانها معنا ... وريَّاها على سفرِ
وقال آخر:
كميت إذا شجَّت وفي الكأس وردةٌ ... لها في عظام الشاربين دبيبُ
تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوبُ
البحتري:
وليسَ للهمِّ إلاّ كلُّ صافيةٍ ... كأنَّها دمعةٌ في عينِ مهجورِ
أبو نواس:
نور تحدّر من فمِ الإبريقِ ... في ريح كافورٍ ولونِ خلوقِ
فكأنَّها وشرارُها متطايرٌ ... والماءُ يُطفئها ضرامُ حريقِ
وقال آخر:
صفراءُ ضمّخ لونها في خدرها ... بالزعفران تقادمُ الأزمانِ
وكأنَّ للذهب المذاب بكاسها ... بحرًا يجيش بأعين الحيتانِ
في مجلسٍ جعل السرور جناحه ... سترًا لنا من ناظرِ الحدثانِ
وقال علي بن جبلة:
دعِ الدنيا فللدنيا أناسٌ ... ألذُّ العيش إبريقٌ وطاسُ
وصافيةٍ لها في الكفّ لينٌ ... ولكنْ في العقولِ لها شماسُ
1 / 72