وسعى إليك بي العذول وإنني ... لا خيب إنْ ظفرَ العذولُ بنجحهِ
طرفي وقلبي ذا يسيل دمًا وذا ... دون الورى أنتَ العليمُ بقرحهِ
فهما بحبك شاهدان وإنما ... تعديل كل منهما في جرحهِ
والقلبُ منزلكَ القديم فإنْ تجدْ ... فيه سواكَ من الأنامِ فنحهِ
وقال من أبيات:
طال انتظاري لمهديّ الخيال فوا ... فاني وما برحَ المهديّ منتظرا
فما تمتعت منه باللقاء ولا ... ملأتُ عينيَ إجلالًا له نظرا
أضحى غريميَ عذريَّ الغرام بمن ... لو العذولُ رآه جاءَ معتذرا
لاموا على الأسمرِ الممشوقِ واتخذوا ... حديثَ وجدي عليه بينهم سمرا
قوله: ما برح المهديّ منتظرا، حسنٌ مثل السحر. وقد استعمله محيي الدين يوسف بن زيلاق، ﵀، في موشحة قالها على طريقة المغاربة فأجاد وأكثر، وهو:
لا تخالف يا منيتي أمري ... وادع لي بالرحيقْ
ما ترى رفقتي من السكر ... ليس فيهم مفيقْ
نحن قوم من شيعة الخمر ... ونحب العتيقْ
قد رفضنا عنا أذى الحزنِ ... بسماع الوترْ
وحمانا عن ناصبِ الهمِّ ... وعدكَ المنتظرْ
فهذا غاية في معناه.
وقال ابن الحنفي:
ومهفهف مذ عاينته مقلتي ... لم يلفَ قلبي في هواه معرجا
منح الأراكة والغزالة والطلى ... لينًا وإشراقًا وطرفًا أدعجا
أحوى أباح الكأس منه مقبلًا ... عذبًا وكنت إليه منه أحوجا
فأعادها سكرى بخمرة ريقه ... وأعارها من وجنتيه تأججا
وكأنما كأس المدام بكفه ... شمس النهار يقلها بدرُ الدجى
الشيخ العالم شرف الدين أبو البركات المبارك بن أحمد بن موهوب ابن غنيمة بن غالب المستوفي الإربلي اللغوي النحوي المحدث الكاتب المؤرخ الثقة فارس الآداب المجلي في ميدانها القائل: أنا ابنُ جلا فمنْ صدَّ عن نيرانها، صاحب الرواية العالية ورب الفضائل المتوالية فاق الأوائل والأواخر بأخلاق أحسن من الروض الناضر، داره مجمع الآداب والفضائل وربعه بوفود العفاة عامر آهل، كان له ملك له حاصل صالح يخرجه على عفاته ويصرفه في صلاته، متواضع للأدباء، حدب على الغرباء، وزر لمظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين صاحب إربل، ﵀، ولم يأخذ منه معيشة وكان عنده في الديوان شراسة خلق، ويلقى الناس في داره بوجه سهل طلق، فعمل فيه مواليًا:
ما أحسنك في البيت ... ما أوحشك خلف الكيس
وجُرح في زمانه فكتب إليه:
يا أيها الملك الذي سطواتهُ ... من فعلها تتعجب المريخُ
آيات عدلك محكم تنزيلها ... لا ناسخ فيها ولا منسوخُ
أشكو إليك وما بُليت بمثلها ... شنعاء ذكرُ حديثها تاريخُ
هي ليلة فيها ولدت وشاهدي ... فيما ادعيت القمط والتمريخُ
وقال ابن الظهير الحنفي لما هرب الذي جرحه وقد أمسكه شخص فقتله:
لئن فدى الله إسماعيل من كرمٍ ... بالذبح واستعظمته الأنسُ والجانُ
فقد فداك بإنسان ولا عجب ... أن يفتدى بجميع الناس إنسانُ
وفي زمن باتكين انقطع إلى بيته معتكفًا على آدابه وعلومه مشتغلًا بمنثوره ومنظومه إلى أن أخذت إربل في شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة فانتقل إلى الموصل وحين خرج من إربل أنشد:
فارقتكم مكرهًا لا كارهًا ويدي ... أعضُّها ندمًا إذ لم أمت كمدا
والله لو أنَّ أيامي تطاوعني ... على اختياريَ ما فارقتكم أبدا
وحين وصل الموصل لقيه أمين الدين لؤلؤ أحد الأمراء الأكابر بالإكرام والاحترام ووفاه من المراعاة أتم الأقسام، وبالموصل اجتمعتُ به وكنت يومئذ صغيرًا ومات، رحمه الله تعالى بها، سنة سبع وثلاثين وستمائة وله من التصنيف: شرح أبيات المفصل، مجلدان، يرد فيهما على العلم أبي القاسم بن موفق الأندلسي.
1 / 17