القطعة الأولى
أيتها الحجارة، حدثيني! أيتها الصروح الباذخة أجيبي، أيتها الطرق، انطقي بكلمة واحدة! ألا تستيقظين أيتها العبقرية؟ بلى، كل شيء حي في أسوارك القدسية يا روما الخالدة، إلا في ناظري وعند خاطري، فما برح الصمت على كل شيء مخيما.
ألا من يوسوس لي في أية نافذة أنا ناظر في يوم من الأيام إلى الطلعة الحلوة التي ستحيي لي كل شيء وهي تفنيني؟ أليس لي أن أهتدي إلى السبيل الذي يدرج فيه وقتي النفيس ذهابا إليها وإيابا من عندها؟
لم أر حتى اليوم إلا بيعا وصروحا، وأطلالا وعمدا، كالسائح الحازم الحريص على الفائدة من رحلته، ولكن سرعان ما أودع كل هذا! فلا يبقى غير هيكل واحد، هيكل الحب، يقبل عليه العارف بأسراره.
أنت يا روما عالم! ولكن العالم بغير الحب لا يكون عالما، وروما لا تكون روما.
أشجان رومانية
المقطوعة الخامسة (بعد أن استحدث الشاعر علاقة غرامية)
على أرض الآثار تستخفني حماسة قدسية، وتحدثني العصور الخوالي والعصور الحواضر باللحن الجهير فتؤنسني. هنا أطالع فكر الأقدمين، وأقلب بيد الخشوع صفحات أعمالهم فتستجد لي متعة في كل نهار، أما الليل فيشغلني فيه الحب بشواغل أخرى، فإذا بات حظي من العلم نصفه فلقد أصبت من السعادة ضعفيها.
وبعد أفليس من التعلم والدرس أن يتأمل البصر تكوير نهد كاعب، وأن تجري الكف على استدارة خصر مبتل؟ إني لأفهم حينذاك ولا أفهم قبل ذاك ما الرخام، وما التماثيل، وإني لأفكر وأقارن، وأرى بعين تحس، وأحس بكف ترى.
ولئن سلبتني الغانية سويعات من النهار فإنها تعوضني عنها ساعات في الليل، وليس الليل كله بعناق! فإننا لنتحدث فيه الحديث الرصين، وتأخذها سنة من النوم فتنازعني ألف فكرة، وأنظم بين ذارعيها، وأقسم بأصبعي الماجنة على ظهرها تفاعيل بحر من القريض. وهي في منامها تتنفس فتضرمني أنفاسها حتى سويداء قلبي، والحب يتعهد أبدا مصباحه الوقاد، ويحلم بالعهد الذي أدى فيه هذه الألطاف للأسبقين من الولاة الرومانيين.
صفحه نامشخص