اختلف أهل الحق في تفضيل بعض السور على بعض والآي. وتفضيل أسماء الله تعالى بعضها على بعض. وقوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} يثبت جواز كل واحد من القولين. فقال قوم: لا فضل لبعض على بعض لأن الكل كلام الله عز وجل, وكذلك أسماؤه لا مفاضلة بينها. ذهب إلى هذا الشيخ أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر ابن الطيب وأبو حاتم محمد بن حبان البستي وجماعة من الفقهاء. وروى معناه عن مالك. قال يحيى بن يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ولذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها. وقال عن مالك في قول الله عز وجل: {نأت بخير منها أو مثلها} قال محكمة مكان منسوخة, وروى ابن كنانة مثل ذلك كله عن مالك واحتج هؤلاء بأن قالوا: إن الأفضل يشعر بنقص المفضول, والذاتية في الكل واحدة وهي كلام الله, وكلام الله تعالى لا نقص فيه. قال البستي: ومعنى قوله عليه السلام: ((ما في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن)) إن الله تعالى لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه وهو فضل منه لهذه الأمة. قال ومعنى قوله لأبي سعيد ابن المعلى: ((لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قال الحمد لله رب العالمين)) الحديث, وسيأتي أنه أراد في الأجر لا أن بعض القرآن أفضل من بعض, وقول قوم بالتفضيل وأن ما تضمنه قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته, ليس مثلا موجودا في {تبت يدا أبي لهب} وكذلك ليس مدلول {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} كمدلول {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين} ولا مدلول {ويجعلون لله البنات} وما كان مثلهما فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها لا من حيث الصفة كما قلناه في الباب قبل, وهذا هو الحق, وإن كان قد تقدم بأن لقارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات لكن إن حصل التساوي في دخول الجنان فالتفاوت متحقق في الدرجات لتفاوتهم في المعارف والفهومات.
صفحه ۴۱