لكلام الله عز وجل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معجزة له غابر الدهر وأنه محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مكتوب في المصاحف معلومة على الاضطرار سوره وآياته مبرءات من الزيادة والنقصان حروفه وكلماته، فلا يحتاج في تعريفه بحد، ولا في حصره بعد، وأنه له نصف وربع. فنصفه من آخر سورة الكهف إلى آخر سورة قل أعوذ برب الناس، وربعه من أول سورة ص إلى آخر قل أعوذ برب الناس، وله مع ذلك خمس وسبع وتسع وعشر وفي الكتابة الموجودة في الصحف، وفي القراءة الموجودة بالألسنة ستة آلاف آية ومائتا آية وآية. وفيها من الحروف ثلاثمائة ألف حرف وأحد عشر ألفا ومائتان وخمسون حرفا وحرف. وكلام الله القديم الذي هو صفته لا نصف له ولا ربع ولا خمس ولا سبع ولا هو ألوف ولا مئون ولا آحاد وإنما هو صفة واحدة، لا ينقسم ولا يتجزأ، وهذا مما يدل على أن التلاوة غير المتلو والقراءة غير المقروء، فإن القراءة عند أهل الحق أصوات القراء ونغماتهم، وهي اكتسابهم التي يؤمرون بها في حال إيجابا في بعض العبادات، وندبا في كثير من الأوقات ويزجرون عنها إذا أجنبوا أو يثابون عليها ويعاقبون على تركها. وهذا مما اجتمع عليه المسلمون ونطقت به الآثار، ودل عليه المستفيض من الأخبار ولا يتعلق الثواب والعقاب إلا بما هو من اكتساب العباد، ويستحيل ارتباط التكييف والترغيب والتضعيف بصفة أزلية خارجة عن الممكنات وقبيل المقدورات، والقراءة هي التي تستطاب من قارئ، وتستبشع من آخر، وهي الملحونة والقويمة والمستقيمة، وتنزه عن كل ما ذكرنا الصفة القديمة ولا يخطر لمن لازم الإنصاف أن الأصوات التي يبح بها حلقه وتنتفخ على مستقر العادة بها أوداجه، وتقع على الإيثار والاختيار محرفا وقويما وجهوريا رخيما، ليس كلاما لله تعالى إذ هي مخلوقة مبتدعة والمفهوم منها كلام الله القديم الأزلي الذي تدل عليه العبارات وليس منها، وهو غير حال في القارئ ولا موجود فيه. وسبيل القراءة والمقروء والتلاوة والمتلو كسبيل الذكر والمذكور فالذكر يرجع إلى قول الذاكر، والرب المذكور المسبح الممجد غير الذكر والتسبيح والتمجيد.
قال المؤلف رضي الله عنه هذا ما ذكره في هذا الباب علماؤنا رحمة الله عليهم وقد زدناه بيانا في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى واختلف هل القرآن مشتق أم لا؟ فقال الفقيه الإمام الشافعي رضي الله عنه: سمى الله تعالى كلامه قرآنا بمثابة اسم علم لا يسوغ إجراؤه على موجب اشتقاق ويجوز أن يقال أيضا سمى كلام الله قرآنا من حيث أنه يتلى ويقرأ بأصوات تنتظم وتتوالى وتتعاقب وينصرم المقتضى منها فسمى الكلام القديم قرآنا من حيث إنه مقروء ومتلو بما فيه من الاجتماع والتوالي والتعاقب وهو قراءة المقرئين وأصوات التالين. وقال ابن إسحاق صاحب المغازي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
صفحه ۲۱