مثلا : عرفنا علم واجب الوجود بذاته بواسطة سلب المقدارى عنه ، أى أن ما ليس بجسم يجب أن يعقل ذاته ، وعرفنا قدرته بواسطة شىء آخر ، ثم هلم جرا ، حتى عرفنا جميع خواصه ، وعرفنا بعد ذلك خواص كل قسم من الأقسام الباقية ، حتى وجب عندنا من ذلك أن ما خلا واجب الوجود بذاته الذي هو واحد ، متعلق الوجود بواجب الوجود.
الفكر إنما جعل لتعيين غاية الفعل ، ولكون الفعل يتوخى فيه النظام. ولتخصص الفعل والقوة المتخيلة إذا خليت رسوم طباعها لم يكن فعلها على النظام ، فأعينت بالفكرة ليكون فعلها على نظام.
إذا وجدنا شيئين ، وأحدهما علة ، والآخر معلول ، وكانا معا فى الوجود ، إلا أن أحدهما فى ذاته واجب الوجود ، والآخر فى ذاته ممكن الوجود ، وعرفنا حقيقة كل واحد منهما من خواصه ، علمنا أن ما يتعلق به طبيعة الإمكان هو معلول ، وأن الآخر هو علة. فإنا إذا عرفنا آنية واجب الوجود بذاته وحقيقته على ما عرفناه فى الإلهيات ، وعلمنا أنه واحد ضرورة ، علمنا أن ما سواه من الموجودات واجب به وممكن فى ذاته ، ويكون تقدم واجب الوجود عليه تقدم الاستغناء ، وتأخر ذاك عنه تأخر الحاجة. فالعلية والمعلولية بينهما الاستغناء والحاجة.
لو كان البارى يتوخى فى فعله النظام حتى كان النظام مقصودا ، لكان يجوز عليه أن يصدر عنه فعل على غير النظام ، كما يجوز ذلك على البشر. فإذا لم يجز أن يصدر عنه فعل على غير النظام ، فيجب أن لا يكون النظام متوخى. فإذن كل أفعاله تصدر عنه منتظما.
الأول يتخصص بذاته ، والعقول المفارقة كل عقل منها يتخصص بلوازمه التي له فلا تقع فيها الشركة. فلذلك لم تتكثر أشخاص كل عقل.
يجب أن تكون التصورات الفلكية أول تصور ، ويكون ما سواه فنتيجة عنه تابعة له ، وهو التصور الأول الثابت المتصل الدائم الذي سائر التصورات تابعة له ولازمة. والمثال فى ذلك هو أن يحصل تصور لأمر ما ، فيستمر ذلك التصور دائما ، ويحدث عن ذلك التصور حركة ، فتستمر تلك الحركة ، لكن لا يزال يتجدد تصور بعد تصور يحدث عنه حركة بعد حركة ، إلى أن ينتهى إلى الغاية المقصودة بالتصور ، فيكون التصور بالاتصال تصورا واحدا ، والحركة حركة واحدة ، ويكون كل تصور متقدم علة لوجود التصور الذي بعده ، على الترتيب السببى المسببى ، وذلك كمن يقصد
صفحه ۱۶۳