الحى هو الدراك الفعال. ولما كان علمه سببا لوجود الأشياء وكان عالما بذاته كان من حيث هو عالم فاعلا ، فكان من حيث هو عالم حيا إذ لا يحتاج إلى شيء آخر به يفعل كما لو كان علمنا يكفى فى أن نفعل شيئا لم نحتج معه إلى قوة أخرى بها نفعل ، بل كنا من حيث نحن عالمون فاعلين ولكنا أحياء من حيث نحن عالمون.
العلم فى الأول هو نفس الإرادة لأن هذه المعلومات مقتضى ذاته ، وهذا المعنى هو معنى الإرادة.
هذه الموجودات على ما هى موجودة عليه مقتضى ذاته وذاته تقتضى الصلاح ونظام الخير فى الكل ، فهى غير منافية لذاته. فهذه الأشياء مرادة. ولو كانت منافية لذاته لما أوجدها وإذا لم تكن منافية له فهى على مقتضى ذاته ، فهى مرادة والإرادة فينا فى مثال البناء هو أنا لا نريد إلا بعد أن يشوقنا شىء إلى عمل ذلك البناء. وفى الأول لا يصح أن يشوقه شىء إلى إيجاد ما هو معلوم له ، فمعلومه مراده وكثير مما نعلمه لا نريده ، إذ لا يكون لإرادتنا لذلك المعلوم داع أو شوق. والإرادة فينا تحصل من تخيل يتبعه جماع أو حركة نحوه ، والإرادة بعينها فيه القدرة ، لأنه لو كان يصح فينا أن تكون الصورة المعلومة علة لوجود البناء لكان نفس وجودها قدرة فينا ، لأن معنى القدرة فينا هو أن نقدر على إيجاد ما علمناه وذلك فينا يتعلق بالقوة المحركة وبالآلات المحركة. وإذ كان ذلك غير جائز فى الأول ، أعنى أن يحرك شيئا أو يستعمل آلة كان المعلوم كافيا فيه أن يوجد منه ما هو معلوم له إذ هو سبب الفعل لا بقوة أخرى تفعل. وذلك بعينه هو الحياة لأن معنى الحى هو الدراك الفعال. ولما كان معلومه قدرته ، وكان ذلك بذاته صح أن يقع عليه اسم الحياة. الا أن اعتبار هذه الأشياء فيه مختلفة فإن كونه عالما يكون بسلب المادة عنه فحسب ، وكونه حيا يكون بالسلب وبإضافته إلى الموجودات فإنه بإضافته إلى الكل يكون حيا ففى العلم تسلب عنه المادة ، وفى الحياة تسلب عنه المادة ، ويضاف إلى الموجودات حتى تصح الحياة.
فى بعض صفاته تسلب عنه أشياء ، وفى بعضها إنضاف (40 ب) إلى أشياء ، وفى بعضها يسلب عنه ويضاف جميعا.
إن ورد على ذات البارى شيء من خارج يكون ثم انفعال ، ويكون هناك قابل له لأنه يكون بعد ما لم يكن. وكل ما يعرض أن يكون له بعد ما لم يكن فإنه يكون ممكنا فيه ، فيبطل أن يكون واجب الوجود بذاته فيؤدى ذلك إلى تغير فى ذاته أو تأثير شيء من خارج فيه ، فإذن يفعل كل شيء من ذاته.
الرحمة انفعال يعرض للإنسان إذا رأى شيئا مخالفا لما جرت به عادته ولما اقتضاه طبعه.
صفحه ۱۱۷