وفي بيان المختصر - بعد ايراد التعريف -: أن الخطاب معناه توجيه ما أفاد في الاصطلاح نحو الحاضر ومن في حكمه، وأريد به هاهنا ما وقع به الخطاب، وهو ما يقصد به إفهام من هو متهيئ للفهم. انتهى.
ولكن يشكل هذا بملاحظة أن أصل هذا الاصطلاح في الحكم من الغزالي وتبعه آخرون، وهو من الأشاعرة القائلة بالكلام النفسي، الذي يجعلونه مدلول الكلام اللفظي الذي منه الكتاب، كما يرشد إليه قولهم الآتي في دفع شبهة اتحاد الدليل والمدلول، بناء على أخذ الحكم في التعريف بالمعنى المذكور.
فإن قضية هذا كله، كون المراد بالخطاب هنا ما هو من مقولة المدلول لا اللفظ، إلا أن يقال: بأن اصطلاحهم منعقد في اللفظ، وحمله في الحد على المعنى تأويل ارتكبوه لدفع الشبهة.
ومنها: ما هو مصطلح الفقهاء من إطلاقه على الخمس التكليفية خاصة، وشاع عندهم إطلاقه على ما يعمه الوضعيات أيضا.
والفرق بين هذا وما تقدم من مصطلح الأصولي واضح، بناء على ما عرفت من تصريح الجماعة المقتضي كون المراد ثمة بالخطاب ما هو من مقولة اللفظ.
نعم يشكل الفرق بملاحظة ما استظهرناه من الغزالي، لأن مقتضاه اتحاد الاصطلاحين كما سبق إلى بعض الأوهام أيضا، إلا أن يفرق بينهما أيضا بالنظر إلى الاعتبار، بدعوى: أن الحكم الثابت لابد فيه من جهتين صدورا وتعلقا، فهو من جهة صدوره قائم بنفس الشارع ومن جهة تعلقه قائم بالمكلف وفعله، واصطلاح الأصولي ناظر إليه باعتبار جهة صدوره، واصطلاح الفقيه ناظر إليه باعتبار جهة تعلقه، ويؤيده التعبير عن الأول بالخطاب، الظاهر في التوجيه الذي هو صفة المخاطب بالكسر، وعن الثاني بالوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة، الظاهرة فيما هو من صفات فعل المكلف.
ويمكن القول: بأن مصطلح الأصولي أصله من المتكلمين - كما يفصح عنه ما تقدم من كونه من الغزالي الذي هو من المتكلمين - وهم إنما يبحثون عن التكليف
صفحه ۶۲