غذا در جهان قدیم
الطعام في العالم القديم
ژانرها
وأصبحت وظيفة المسرح الكوميدي في العصر الإغريقي المتأخر الذي كان يكتب فيه كل من بلوتارخ وجالينوس وأثينايوس؛ تتجاوز النقد المرح أو الهجائي الذي كان مهما للغاية في هيئته الأصلية كعروض تؤدى على المسارح. وكان المسرح الكوميدي يستخدم في جلسات الشراب وفي حلقات النقاش التي يحضرها العلماء، كما يشرح بلوتارخ، ومن الممكن استخدامه أيضا - كما رأينا - ليكون شاهدا على المصطلحات الصحيحة المكتوبة باللغة الإغريقية الكلاسيكية القديمة. ويساعد المسرح الكوميدي - شأنه شأن أعمال هوميروس - المؤلفين الذين ظهروا فيما بعد على التحقق من المصطلحات الكلاسيكية القديمة. وهذا من الأسباب التي تفسر استخدام أثينايوس للمسرحيات الكوميدية بهذه الكثرة؛ إذ إن المسرح الكوميدي يقدم إشارات كثيرة للطعام، ويثبت المفردات المتخصصة أيضا؛ ومن ثم، فإن استخدام الشعر الهزلي يضيف عمقا علميا، وأيضا ظرفا وأسلوبا هجائيا مناسبا للغاية في جلسة الشراب. وكان للشعر الهزلي وظيفة أخرى؛ إذ كان واضحا ويسهل تذكره. وهذه الفكرة يتناولها بوضوح نص جغرافي من القرن الثاني قبل الميلاد، وهو «رحلة حول الأرض»، وكان ينسب خطأ إلى العالم الجغرافي شيمنوس. وهذا العمل الغريب مكتوب في قالب من الشعر الهزلي من التفعيلة العمبقية ؛ لأنه - حسبما يصرح المؤلف (3-4) - يعبر عن كل فكرة بإيجاز ووضوح؛ ولأن (33-44) الشعر الهزلي يسهل تذكره، وبفضل طابعه الموجز يتميز بالدقة وقوة الإقناع، بالإضافة إلى شيء من الجاذبية. وهذا الاستخدام العلمي للشعر الهزلي نراه أيضا في عمل أبولودورس من أثينا، وهو الذي يستشهد باقتباسات كثيرة منه في كتاب أثينايوس، ونراه أيضا في الوصفات الطبية الشعرية التي يقتبسها جالينوس كأمثلة على الوصفات التي يكتبها الطبيب، ومن المستبعد أن تسمح بحدوث أخطاء في النسخ بسبب الضمانات التي يوفرها إيقاع الشعر.
ومن ثم، فإن كثرة استخدام أثينايوس للمسرح الكوميدي لها تفسير عابث «متعلق بجلسات الشراب»، ولها تفسير قائم على المحتوى لأن الطعام والولائم كانت من العناصر الجوهرية في المسرح الكوميدي، ولها تفسير علمي أيضا. (6) الهجاء الروماني
تزخر الكتابات الهجائية التي ألفها هوراس وجوفينال وبيترونيوس وغيرهم بالإشارات إلى الطعام، وذلك كما أوضح جاورز (1993) وغيره. وربما تكون كلمة هجاء
satire
نفسها مشتقة من صورة صحن ممتلئ أو مائدة ممتلئة، وذكرت فيما سبق فكرتين رئيستين هما الحنين إلى الماضي والنقاء الريفي، وهي من الأفكار الحاضرة بقوة في الهجاء. ومن الأفكار الرئيسية الحاضرة بقوة أيضا النهم وأنماط تناول الطعام القائمة على التسلسل الهرمي (جوفينال «المقطوعة الهجائية الخامسة»، ورد اقتباس منه في الفصل الثاني)، وفكرة توافر السلع الفاخرة أمام الطبقة الراقية الرومانية. وفي «الهجائيات» (2، 4) و(2، 8)، يقدم هوراس أولا كاتيوس المعتاد على الاستماع إلى فكر فلسفي خاطئ، ونصحه البعض بأن يبذل كل ما في وسعه (في القصيدة على الأقل) للعثور على أفضل المكونات. ويوصى بالكثير من المكونات الممتازة المرتبطة بأماكن معينة، في صيغة شبيهة بقصيدة «حياة الترف» من تأليف أركستراتوس. وفي «الهجائيات» (2، 8)، يتباهى المضيف ناسيدينوس أمام ضيوفه بثرائه الفاحش.
إن نص «عشاء تريمالكيو» لبيترونيوس هو أبرز تلك الأعمال - مع أنه يشبه كتاب «حوار المأدبة» لأفلاطون (دوبونت 1977) - لأن المأدبة التي يقيمها يحضرها ضيوف أغنياء وفقراء، ويقدم فيها طعام وفير، وتدور فيها مناقشات عن وسائل الترفيه وعن أزمات نقص الطعام في المجتمع الأكبر، وتحتوي على كل اللمسات الصغيرة التي يصعب على القارئ المعاصر أن يكون عنها رأيا بدقة. هل بيترونيوس هو «حكم الأناقة» الذي وصفه تاسيتس في قصر نيرون؟ هل تريمالكيو عبارة عن محاكاة ساخرة للإمبراطور نيرون؟ يهتم تريمالكيو اهتماما بالغا بمرات التبرز لديه؛ فهل السبب في هذه البذاءة هو الموضوع، أم لأنه يناقش الموضوع بإفراط؟ رأينا في الفصل السادس أن الموت وجلسة الشراب فكرتان رئيسيتان متلازمتان في أحيان كثيرة. هل تريمالكيو كئيب إلى حد غير سوي، أم أن الأمر لا يزيد عن كونه مهتما بموته أكثر من الحد الطبيعي؟ أم أن حجم قبره فقط هو الذي يؤرقه؟ يقدم تريمالكيو الكثير من أطباق اللحم، ومعظمها من لحم الخنزير، ولا يقدم إلا كمية قليلة من الأسماك. فهل يشير هذا إلى أصوله الوضيعة، أم أن هذا طعام روماني طيب؟
وفي منمنمة طريفة أخرى - يناقشها كونت (1996: 172) - يتبع تريمالكيو مبادئ الاكتفاء الذاتي ولا يشتري الطعام إلا من أملاكه؛ ففي النصوص التي تتناول الوعظ الأخلاقي يكون من المستحسن تجنب عوامل الإغراء التي تحفل بها الأسواق. ولكن يتضح أن أملاك تريمالكيو تشمل معظم أنحاء جنوبي إيطاليا، وتمتد إلى أفريقيا، ويستطيع زراعة الفطر الهندي والأترج؛ ومن ثم يتجنب الأسواق، ولكنه يستطيع الوصول إلى كل ثروات الإمبراطورية.
وتريمالكيو شخصية تتسم بالغلظة، ولكن الكثير من الأطباق المقدمة في مأدبته، والكثير من الأنشطة المصاحبة للمأدبة، عبارة عن صور مبالغ فيها من أوجه المآدب وجلسات الشراب التي رأيناها في مواضع أخرى من هذا الكتاب. ويبدو أن دور الوعظ الأخلاقي الذي يلعبه كاتب الهجاء واضح، ولكن المؤرخ المتخصص في الطعام لا يجد أمامه إلا المزيد من الألغاز والأفكار الغامضة.
يعكس فن الهجاء الغنى الفاحش، الظاهر على موائد الأغنياء، وذلك من خلال تنوع الأطعمة التي يذكرها، وكذلك مفرداته وأسلوبه الساخر. وشرحت في ويلكنز (2004) أن بعض الأساليب الهجائية سخيفة ومبالغ فيها، ولكن ثمة نماذج أخرى يعبر عنها مؤلفون أكثر رصانة بكثير مثل جالينوس. يتحدث بلينوس أيضا - في قالبه الموسوعي - عن بعض المفاسد التي تحدث في المآدب ويشجبها كتاب الهجاء. ورأينا في الفصل السابع آراء بلينوس عن سوء استعمال الخنازير البرية في عصره كطعام. ويتحدث جوفينال على المنوال نفسه في مقطوعته الهجائية الأولى: «كم هو نهم فظ ذلك الذي يلتهم خنزيرا بريا كاملا، يلتهم حيوانا مخصصا كي تصنع منه وليمة لجماعة من الناس!» (7) الحكاية الكاشفة
إن أثينايوس واحد من الكثير من المؤلفين الذين لديهم قصص لا تحصى عن ذلك الرجل الذي ... أو عن تلك المرأة التي ... وتكشف هذه الحكايات عادة عن صفة معينة، كثيرا ما تكون النهم أو نقيصة أخرى مشابهة. ويوفر تناول الطعام والأنشطة الاجتماعية أرضا خصبة لمثل تلك الأخبار. يقتبس أثينايوس ما قاله الفيلسوف الرواقي خريسيبوس - مثلا - عن الرجل النهم فيلوزينوس:
صفحه نامشخص