ولكنه الليلة يتردد كأنه يخاف، هذه إلهام حبيبته منذ عشرة أعوام أصبحت زوجته وحلالا له كما قال الشرع، فما باله متردد خائف؟ أم أن حماسه لا يثيره إلا الحرام؟ لا، ليست هذه شخصيته، إنه يكره الحرام وما حوله من تلصص وكذب واختفاء، لكنه الآن وبالنسبة لإلهام لا يعتبرها مثل أي امرأة أخرى، إنه يحبها، هي حب حياته الضخم الكبير، ولكن هل كونه يحبها يجعله مترددا خائفا كما هو الآن؟
والتفت إليها وأخذ يتأملها، عينيها، أنفها، شفتيها، ذراعيها، ساقيها، إنها مثل سائر النساء لا تختلف عنهن في شيء.
وضغط بيده على يد الكرسي ليقف لكنه تردد وبقي مكانه، لماذا فارقته شجاعته التي اشتهر بها؟ لماذا هو جبان الآن؟ هي مثل سائر النساء، ولكن عينيها تختلفان عن كل النساء، فيهما أشياء تجعله يتردد ويخاف، كانت عيناها كذلك بالنسبة له دائما، وفي الكلية كان يرفع الكلفة سريعا بينه وبين زميلاته، ويتحدث معهن بطلاقة وفصاحة إلا هي، بمجرد أن يرى عينيها كانت الكلمات تقف في حلقه كأن كلامه لم يعجبها أو كأنها ستصدر عليه حكما قاسيا، وماذا كان يهمه منها أو من رأيها، لم يكن يدري.
كانت نظرتها قوية ثابتة، والطالبات بجوارها كالأفراخ الصغيرة يذعرها أي شيء فتجري وتتجمع وتختفي بعضها في بعض كأنما ستخطف الحدأة إحداها.
أما هي فكانت دائما نافرة، تمشي وحدها رافعة رأسها في كبرياء طبيعي، ملابسها بسيطة لا تفترق كثيرا عن ملابس الرجال، وشعرها قصير يشبه شعر الطلبة، ومشيتها الخالية من التكلف ومن الرشاقة أيضا تجعل لها شخصية متميزة جذابة، ورغم قوة مظهرها وهيبته، إلا أنها حينما تبتسم - ودائما ما تفعل - تحس كأنما خلقت شفتاها لتبتسم فحسب، والغمازتان في خديها، تظهران بسرعة، وتختفيان بسرعة، حتى حينما لا تبتسم تظن أنها تبتسم، من فرط البريق اللامع في عينيها كأنهما يدمعان من الضحك أو السعادة.
والتفت نحوها، وأحس بشيء في أعماقه يخفق ويرتعد، ورآها تجلس وسط فستانها الأبيض المنفوش تنظر أمامها كأنها نائمة تحلم، وشعر بأنه يريد أن يندفع نحوها، ويأخذها بين ذراعيه، وينظر في عينيها بجرأة ويضغط على شفتيها بجرأة، إنها زوجته ولن تصفعه إذا فعل ذلك.
ولكنه لم يتحرك من داخل الكرسي.
ماذا فيها يجعله مترددا ضعيفا، كما هو الآن؟!
ماذا فيها؟ وضغط بأسنانه على شفته وهو يقول لنفسه في غيظ: ماذا فيها؟
وأفلتت أسنانه شفته، وجفف جبهته، إنها مثل كل الفتيات، ليس فيها شيء زائد عنهن، بل ربما يكون فيها شيء ناقص عنهن، كما قالت له أمه: إلهام؟ لا يا ابني إلا إلهام، دي اتجوزت مرة ولها ولد وإنت لا اتجوزت ولا خلفت عيال، دي البنات كتير يا ابني، يا خبر اسود تاخد واحدة اتجوزت قبل كده، ليه؟ ده جوازها يبقى زي أكل الطبيخ البايت!
صفحه نامشخص