قَالَ الإِمَام الْكَبِير حجَّة الْمُتَكَلِّمين أَبُو المظفر الإِسْفِرَايِينِيّ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُوله مُحَمَّد وَآله أَجْمَعِينَ وَأَصْحَابه البررة الطاهرين
اعلموا أسعدكم الله إِن الله ﵎ أَمر عَبده بمعرفته فِي ذَاته وَصِفَاته وعدله وحكمته وكماله فِي صفته ونفوذ مَشِيئَته وَكَمَال مَمْلَكَته وَعُمُوم قدرته وَلَا تتكامل الْمعرفَة بذلك كُله إِلَّا بِنَفْي النقائص عَنهُ وبإثبات أَوْصَاف الْكَمَال لَهُ من غير أَن يشوبه شَيْء من بدع المبتدعين وإلحاد الْمُلْحِدِينَ وَكَانَ أمره تَعَالَى متضمنا لأمرين الْمعرفَة بِمَا أوجب مَعْرفَته والإحاطة بِمَا أوجب عَلَيْهِ مجانبته حَتَّى إِذا اجْتمع لَهُ الوصفان تحقق لَهُ وصف الْإِيمَان على سَبِيل الإتقان والإيقان والمفارقة لما يوسوس لكثير مِنْهُم من الشّبَه وحبائل الشَّيْطَان فَيكون إيمَانه كَمَا أخبر الله تَعَالَى بِهِ عَن إِيمَان خَلِيل الرَّحْمَن حِين قَالَ ﴿إِنِّي وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين﴾ أثنى عَلَيْهِ لهَذِهِ الْمعرفَة لجمعه بَين الْمعرفَة بِكَمَال أَوْصَافه وميله عَن كل معبود يُخَالِفهُ فِي وَصفه فوصفه أَي الله تَعَالَى الْخَلِيل بِكَوْنِهِ حَنِيفا أَي مائلا عَن عبَادَة الْأَوْثَان وحبائل الشَّيْطَان وَمَا يُخَالِفهُ من الطّرق والأديان وبمثله أقرّ رَسُوله الْمُصْطَفى ﵇ حِين قَالَ إِن الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا لست مِنْهُم فِي شَيْء إِنَّمَا أَمرهم إِلَى الله ثمَّ ينبئهم بِمَا كَانُوا
1 / 13
يَفْعَلُونَ) وَقَالَ ﴿فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله﴾ فَأمره بالمعرفة ومغادرة كل دين يُخَالِفهُ فِي حَقِيقَته وَأمره أَن يخبر عَن نَفسه بِصفة مَعْرفَته الجامعة لوصفي النَّفْي وَالْإِثْبَات وَمَعْرِفَة مَا يجب مَعْرفَته ومجانبة مَا تجب مجانبته فَقَالَ ﴿قل إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم دينا قيمًا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا كَانَ من الْمُشْركين﴾ وَأمر سُبْحَانَهُ الكافة بِكَلِمَة الْإِيمَان لَا إِلَه إِلَّا الله جمع فِيهَا بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات وَقدم النَّفْي على الْإِثْبَات ليعلم أَن الْإِثْبَات لَا يحصل إِلَّا بصيانته عَن كل مَا يتَضَمَّن مُخَالفَته وَهَكَذَا جمع فِي سُورَة الْإِخْلَاص بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات فوصف نَفسه بأوصاف الْكَمَال فِي قَوْله ﴿قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد﴾ وَنفي عَن نَفسه النُّقْصَان بقوله ﴿لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد﴾ حَتَّى قَالَ أهل المعارف فِي تَحْقِيق صفة الصَّمد أَنه يتَضَمَّن إِثْبَات كل صفة لَا يتم الْخلق إِلَّا بهَا وَنفي كل صفة لَا يجوز وَصفه بهَا لِأَن الصَّمد فِي اللُّغَة هُوَ السَّيِّد الَّذِي يرجع إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج وَهَذَا يُوجب لَهُ إِثْبَات صِفَات الْكَمَال الَّتِي يتم بهَا إتساق الْأَفْعَال وَقد جَاءَ إِيضَاح اللُّغَة فِي تَفْسِيره أَن الصَّمد هُوَ الَّذِي لَا جَوف لَهُ وَهَذَا يتَضَمَّن نفي النِّهَايَة وَنفي الْحَد والجهة وَنفي كَونه جسما أَو جوهرا لِأَن من اتّصف بِشَيْء من تِلْكَ الْأَوْصَاف لم يسْتَحل اتصافه بالتركيب وَوُجُود الْجوف لَهُ وتقرر بِهَذِهِ الْجُمْلَة وجوب الْمعرفَة بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات والتمييز بَين الْحق وَالْبَاطِل وَمن لم يتَحَقَّق لَهُ معرفَة نفي صفة الْبَاطِل لم يتَحَقَّق لَهُ معرفَة إِثْبَات صفة الْمعرفَة بِالْحَقِّ
وَقد كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ يسألونه عَن الْحق لصِحَّة الإعتقاد والمعرفة وَعَن الْبَاطِل وَالشَّر للتمكن من المجانبة حَتَّى قَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان كَانَ النَّاس
1 / 14
يسْأَلُون رَسُول الله ﷺ عَن الْخَيْر وَكنت أسأله عَن الشَّرّ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَله لتصح لَهُ مجانبته لِأَن من لم يعرف الشَّرّ يُوشك أَن يَقع فِيهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(عرفت الشَّرّ لَا للشر لَكِن لتوقيه ... وَمن لَا يعرف الشَّرّ من النَّاس يَقع فِيهِ)
وَقد أخبر رَسُول الله ﷺ أَنه سَيظْهر فِي زمن الْإِسْلَام من الْفرق الْمُخْتَلفَة مَا ظهر فِي الْأَدْيَان قبله فَقَالَ افْتَرَقت الْيَهُود إِحْدَى وَسبعين فرقة وافترقت النَّصَارَى اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة وتفترق أمتِي ثَلَاثًا وَسبعين فرقة كلهم فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة فَقيل يَا رَسُول الله من النَّاجِية فَقَالَ مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي وَفِي خبر آخر أَنه قَالَ الْجَمَاعَة
وروى عبد الله بن عمر بن الْخطاب أَن النَّبِي ﷺ قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون إِن الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم هم الْجَمَاعَة وَالَّذين اسودت وُجُوههم أهل الْأَهْوَاء فَبين رَسُول الله ﷺ أَن هَذِه الْأمة يلبس بهَا وينسب إِلَى جُمْلَتهَا كثير من أهل الْأَهْوَاء يفارقونهم فِي حَقِيقَة الْإِيمَان وَإِن كَانُوا يلتبسون بهم فِي ظَاهر الْحَال فَلَا بُد لِلْمُؤمنِ من أَن يعرف حَالهم حَتَّى يتَمَيَّز عَنْهُم ويصون عقيدته عَمَّا هم عَلَيْهِ من الْبدع وَلَا يكون كمن وَصفه الله حَيْثُ قَالَ ﴿وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون﴾ وَقد قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْكبر وَلَا يبْقى فِي النَّار من كَانَ
1 / 15
فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان وَإِنَّمَا يحصل مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان بإعتقاد صَحِيح سليم عَن جَمِيع شوائب الْبدع والإلحاد وأنواع الْكفْر وَمَا لم يتَبَيَّن الْعَاقِل أَوْصَاف الْبدع وَأَهْلهَا لم يَتَقَرَّر لَهُ حَقِيقَة الْإِيمَان المستخلص عَن جَمِيعهَا وَكَلَام النَّبِي ﷺ صدق ووعده حق وَهَذَا الَّذِي أخبر عَن وجود فرق الضلال فِيمَا بَين الْمُسلمين لَا محَالة كَائِن
وَقد اخْتلف مَشَايِخ أهل التَّحْقِيق من عُلَمَاء الْمُسلمين فِيهِ فَقَالَ بَعضهم لم يتكامل وجود هَذِه الْفرق من أهل الْبدع بَين الْمُسلمين بعد وَإِنَّمَا وجد بَعضهم وسيوجد بعدهمْ قبل يَوْم الْقِيَامَة جَمِيعهم فَإِن مَا أخبر الرَّسُول ﷺ كَائِن لَا محَالة وَقَالَ الْبَاقُونَ وهم الَّذين يتتبعون التواريخ ويفتشون عَن المقالات المنقولة من أَرْبَاب الْمذَاهب المتسمة بسمة الْإِسْلَام أَن تَمام هَذِه الْفرق الضَّالة قد وجدت فِي زمرة الاسلام وَوَجَب على الْمَرْء المحصل أَن يُمَيّز عقيدته عَن عقائدهم الْفَاسِدَة وَدينه عَن أديانهم الضَّالة وَقد ظهر فِي بِلَاد الْإِسْلَام أَقوام من أهل الْبدع يخدعون الْعَوام وَيلبسُونَ عَلَيْهِم الْأَدْيَان وينتسبون إِلَى فريقي أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَصْحَاب الحَدِيث والرأي ويستظهرون بصدور لَا يعرف حَالهم من صُدُور أهل الْإِسْلَام ليتقوى بهم على خداع أهل الْغرَّة من الْمُسلمين ويظهرون بِهِ للأغمار أَن لَهُم الْغَلَبَة وَالْقُوَّة وَلَا يعرف الْجَاهِل بأحوالهم إِن الْبَاطِل قد يكون لَهُ جَوْلَة ثمَّ يسْقط كَمَا سَارَتْ بِهِ الامثال على لِسَان الكافة أَن الْبَاطِل يجول جَوْلَة ثمَّ يضمحل وكما يُقَال الْحق أَبْلَج وَالْبَاطِل لجلج وَقَالَ تَعَالَى ﴿يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء﴾
فَأَرَدْت أَن أجمع كتابا فارقا بَين الْفَرِيقَيْنِ جَامعا بَين وصف الْحق وخاصيته وَالْإِشَارَة إِلَى حججه وَوصف الْبَاطِل وحد شبهه لِيَزْدَادَ المطلع عَلَيْهِ استيقانا فِي
1 / 16
دينه وتحقيقا فِي يقينه فَلَا ينفذ عَلَيْهِ تلبيس المبطلين وَلَا تَدْلِيس الْمُخَالفين للدّين وقسمته بحول الله وقوته على خَمْسَة عشر بَابا جَامِعَة لبَيَان أَوْصَاف عقائد أهل الدّين وفضائح أهل الزيغ والملحدين وَالله تَعَالَى ولي التَّوْفِيق لإتمامه بفضله وإنعامه أَنه على مَا يَشَاء قدير وبالفضل والأحسان جدير
الْبَاب الأول فِي بَيَان أول خلاف ظهر فِي الْإِسْلَام بعد وَفَاة رَسُول الله ﷺ وَمَا ظهر من الْخلاف فِي أَيَّام الصَّحَابَة أَو قَرِيبا مِنْهُم
الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان فرق الْأمة على الْجُمْلَة
الْبَاب الثَّالِث فِي تَفْصِيل مقالات الروافض وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان مقالات الْخَوَارِج وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب الْخَامِس فِي تَفْصِيل مقالات الْقَدَرِيَّة الملقبة بالمعتزلة وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب السَّادِس فِي تَفْصِيل مقالات المرجئة وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب السَّابِع فِي تَفْصِيل مقالات النجارية وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب الثَّامِن فِي تَفْصِيل مقالات الضرارية وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب التَّاسِع فِي تَفْصِيل مقالات البكرية وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب الْعَاشِر فِي تَفْصِيل مقالات الْجَهْمِية وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب الْحَادِي عشر فِي تَفْصِيل مقالات الكرامية وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب الثَّانِي عشر فِي تَفْصِيل مقالات المشبهة وَبَيَان فضائحهم
الْبَاب الثَّالِث عشر فِي بَيَان فرق ينتسبون إِلَى دين الْإِسْلَام وَلَا يعدون فِي جملَة الْمُسلمين وَلَا يكونُونَ من جملَة الإثنتين وَالسبْعين وهم أَكثر من عشْرين فرقة
الْبَاب الرَّابِع عشر فِي بَيَان مقالات أَقوام من الْمُلْحِدِينَ كَانُوا قبل ظُهُور دولة الْإِسْلَام وَإِنَّمَا أذكر جملَة مِنْهُم
الْبَاب الْخَامِس عشر فِي بَيَان اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَبَيَان مَا لَهُم من المفاخر والمحاسن والْآثَار فِي الدّين وَذكرت فِي كل بَاب مَا يَقْتَضِيهِ شَرطه على حد الإقتصار والإعتدال مصونا من الأملال والإكثار بِفضل الله وتوفيقه
1 / 17
الْبَاب الأول فِي بَيَان أول خلاف ظهر بعد الْمُصْطَفى ﷺ وَفِي أَيَّام الصَّحَابَة أَو قَرِيبا من عَهدهم
أعلم أَن الْمُسلمين وَقت النَّبِي ﷺ وَبعد وَفَاته كَانُوا على طَرِيق وَاحِدَة لم يكن بَينهم خلاف ظَاهر وَمن كَانَ بَينهم من الْمُخَالفين الْمُنَافِقين مَا كَانَ يتَمَكَّن من إِظْهَار مَا كَانَ يستسره من أخباره فَكَانَ أول خلاف ظهر بَين الْمُسلمين اخْتلَافهمْ فِي وَفَاة رَسُول الله ﷺ حَتَّى قَالَ قوم مِنْهُم أَنه لم يمت وَلكنه رفع كَمَا رفع عِيسَى بن مَرْيَم وارتفع هَذَا الْخلاف ببركات أبي بكر الصّديق ﵁ حِين صعد الْمِنْبَر وخطب خطْبَة وتلا عَلَيْهِم قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون﴾ ثمَّ قَالَ من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد رب مُحَمَّد فَإِنَّهُ حَيّ لَا يَمُوت فسكنت النُّفُوس وإطمأنت الْقُلُوب واذعنت لَهُ الرّقاب وَاعْتَرَفت الكافة بِمَا ظهر من الْأَمر وَزَالَ الْخلاف
الثَّانِي أَنهم اخْتلفُوا فِي مَوضِع دَفنه ﷺ قَالَ قومإ إِنَّه يدْفن بِمَكَّة لِأَنَّهَا مولده وَبهَا قبلته وَبهَا مشاعر الْحَج وَبهَا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَبهَا قبر جده إِسْمَاعِيل ﵇
وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّه ينْقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَإِن بِهِ تربة الْأَنْبِيَاء ومشاهدهم صلوَات الرَّحْمَن عَلَيْهِم
وَقَالَ أهل الْمَدِينَة أَنه يدْفن فِي الْمَدِينَة لِأَنَّهَا مَوضِع هجرته وَأَهْلهَا أهل
1 / 19
نصرته فَزَالَ هَذَا الْخلاف ببركة الصّديق حِين روى أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ الْأَنْبِيَاء يدفنون حَيْثُ يقبضون فقبلوا مِنْهُ رِوَايَته وَرَجَعُوا إِلَى قَوْله ودفنوه فِي حجرته
الثَّالِث اخْتلَافهمْ فِي بَاب الامامة فَقَالَت الْأَنْصَار منا إِمَام ومنكم إِمَام وَطَالَ بَينهم الْكَلَام فِي ذَلِك حَتَّى صعد الصّديق ﵁ الْمِنْبَر وخطب ثمَّ تَلا وَعَلَيْهِم قَوْله تَعَالَى ﴿للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون﴾ قَالَ فسمانا الصَّادِقين ثمَّ أَمر الْمُؤمنِينَ أَي الله تَعَالَى أَن يَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين بقوله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين﴾ وروى لَهُم أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ الْأَئِمَّة من قُرَيْش فصدقوه فِي رِوَايَته ونزلوا على قَضيته وَاتَّفَقُوا على قَوْله فَزَالَ هَذَا الْخلاف أَيْضا ببركة الصّديق ثمَّ حدث فِيهِ خلاف قوم من الْخَوَارِج حَيْثُ قَالُوا بِجَوَاز الْخلَافَة فِي غير قُرَيْش كَمَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الْخلاف لَا يكون خطرا إِلَّا إِذا كَانَ فِي أصُول الدّين وَلم يكن اخْتِلَاف بَينهم فِي ذَلِك بل كَانَ اخْتِلَاف من يخْتَلف فِي فروع الدّين مثل مسَائِل الْفَرَائِض فَلم يَقع خلاف يُوجب التفسيق والتبري هَكَذَا جرى الْأَمر على السداد أَيَّام أبي بكر وَعمر وَصدر من زمَان عُثْمَان ثمَّ اخْتلف فِي أَمر عُثْمَان وَخرج عَلَيْهِ قوم مِنْهُم فَكَانَ من أمره مَا كَانَ
ثمَّ بعد ذَلِك حدث الِاخْتِلَاف فِي أَمر عَليّ وَفِي حَال أَصْحَاب الْجمل وصفين وَفِي حَال الْحكمَيْنِ وَظهر من ذَلِك خلاف الْخَوَارِج فِي أَيَّام عَليّ ﵁ كَمَا
1 / 20
سَنذكرُهُ فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَظهر فِي وقته أَيْضا خلاف السبأية من الروافض وهم الَّذين قَالُوا إِن عليا إِلَه الْخلق حَتَّى أحرق عَليّ جمَاعَة مِنْهُم وَظهر بعد ذَلِك سَائِر أَصْنَاف الروافض كَمَا نذكرهُ فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَظهر فِي أَيَّام الْمُتَأَخِّرين من الصَّحَابَة خلاف الْقَدَرِيَّة وَكَانُوا يَخُوضُونَ فِي الْقدر والاستطاعة كمعبد الْجُهَنِيّ وغيلان الدِّمَشْقِي وجعد بن دِرْهَم وَكَانَ يُنكر عَلَيْهِم من كَانَ قد بَقِي من الصَّحَابَة كَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن أبي أوفى وَجَابِر وَأنس وَأبي هُرَيْرَة وَعقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ وأقرانهم وَكَانُوا يوصون إِلَى أخلافهم بِأَن لَا يسلمُوا عَلَيْهِم وَلَا يعودوهم إِن مرضوا وَلَا يصلوا عَلَيْهِم إِذا مَاتُوا ثمَّ ظهر بعدهمْ فِي زمَان الْحسن الْبَصْرِيّ بِالْبَصْرَةِ خلاف وَاصل ابْن عَطاء الغزال فِي الْقدر وَفِي القَوْل بِمَنْزِلَة بَين المنزلتين وَوَافَقَهُ عَمْرو بن عبيد فِيمَا أحدثه من الْبِدْعَة فطردهم الْحسن الْبَصْرِيّ من مَجْلِسه فاعتزلوه بأتباعهم
1 / 21
جانبا من الْمَسْجِد فسموا معتزلة لإعتزالهم مجَالِس الْمُسلمين وَقَوْلهمْ بِمَنْزِلَة بَين المنزلتين وزعمهم أَن الْفَاسِق الملي لَا مُؤمن وَلَا كَافِر وَأَن الْفُسَّاق من أهل الْملَّة خَرجُوا من الْإِيمَان وَلم يبلغُوا الْكفْر وَأَنَّهُمْ مَعَ الْكفَّار فِي النَّار خَالِدين مخلدين لَا يجوز لله تَعَالَى أَن يغْفر لَهُم وَأَنه لَو غفر لَهُم لخرج من الْحِكْمَة وَلما أظهرُوا هَذِه الْمقَالة هجرهم الْمُسلمُونَ وخذلوهم كَمَا كَانَ قد أوصى إِلَيْهِم أسلافهم من الصَّحَابَة
ثمَّ ظهر خلاف النجارية فِي أَيَّام الْمَأْمُون الْخَلِيفَة واستعد جمَاعَة مِنْهُم بِالريِّ ونواحيها ثمَّ ظهر أَيْضا دَعْوَة الباطنية من حمدَان قرمط وَعبد الله بن مَيْمُون القداح وَلَا يعدون من فرق الْمُسلمين فَإِنَّهُم فِي الْحَقِيقَة على دين الْمَجُوس كَمَا شرحنا أديانهم فِي كتاب الْأَوْسَط
ثمَّ ظهر فِي زمَان مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر بخراسان خلاف الكرامية كَمَا نذكرهُ فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى
1 / 22
الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان فرق الْأمة على الْجُمْلَة
اعْلَم أَن الله حقق فِي افْتِرَاق هَذِه الْأمة مَا أخبر بِهِ الرَّسُول ﷺ من افْتِرَاق هَذِه الْأمة إِلَى ثَلَاث وَسبعين فرقة وَاحِدَة مِنْهَا نَاجِية وَالْبَاقُونَ فِي النَّار فَأَما الاثنتان وَالسَّبْعُونَ فعشرون مِنْهُم الروافض من جُمْلَتهمْ الزيديون وهم ثَلَاث فرق الجارودية والسليمانية والأبترية وَمن جُمْلَتهمْ الكيسانية وهم فرقتان كَمَا نبينه فِيمَا بعد
وَمن جملَة الروافض الإمامية وهم خمس عشرَة فرقة المحمدية والباقرية والناووسية والشميطية والعمارية والإسماعيلية والمباركية والموسوية والقطعية والإثنا عشرِيَّة والهشامية والزرارية واليونسية والشيطانية والكاملية فَهَذِهِ جملَة فرق الروافض الَّذين يعدون فِي زمرة الْمُسلمين
فَأَما البيانية والمغيرية والمنصورية والجناحية والخطابية والحلولية مِنْهُم فَلَا يعدون فِي زمرة الْمُسلمين لأَنهم كلهم يَقُولُونَ بآلهية الْأَئِمَّة كَمَا نفصله فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَعِشْرُونَ مِنْهُم الْخَوَارِج وهم المحكمة الأولى والأذارقة والنجدات والصفرية والعجاردة والأباضية فالعجاردة مِنْهُم فرق كالخازمية والشعيبية
1 / 23
والشيبانية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والحمزية والإبراهيمية والواقفية
والأباضية مِنْهُم أَربع فرق الحفصية والحارثية واليزيدية وَأَصْحَاب طَاعَة لَا يُرَاد بهَا الله تَعَالَى وَلَا يعد اليزيدية من فرق الْإِسْلَام لأَنهم جوزوا فسخ شَرِيعَة الْإِسْلَام وَذَلِكَ خلاف أجماع الْمُسلمين وَمن جملَة العجاردة فرقة يُقَال لَهُم الميمونية وَلَا يعدون من فرق الْمُسلمين لأَنهم يجوزون التَّزَوُّج ببنات الْبَنَات ويبيحونه وَذَلِكَ خلاف مَا عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ
وَعِشْرُونَ مِنْهُم الْقَدَرِيَّة الْمُعْتَزلَة كل فريق مِنْهُم يكفر سَائِرهمْ وهم الواصلية والهذلية والعمروية والنظامية والأسوارية والمعمرية والإسكافية والجعفرية والبشرية والمردارية والهشامية والثمامية والجاحظية والخابطية والحمارية والخياطية والشحامية وَأَصْحَاب صَالح قبَّة والمؤنسية والكعبية والجبائية والبهشمية وفرقتان من هَذِه الْجُمْلَة لَا يعدَّانِ من فرق الاسلام وهما الخابطية والحمارية كَمَا نذكرهُ فِيمَا بعد
وَثَلَاث فرق هم المرجئة فريق مِنْهُم يجمعُونَ بَين الإرجاء فِي الْإِيمَان وَبَين القَوْل بِالْقدرِ كَأبي شمر وَمُحَمّد بن شبيب الْبَصْرِيّ والخالدية فؤلاء مرجئون قدريون وفريق مِنْهُم يجمعُونَ القَوْل بالارجاء فِي الايمان وَبَين قَول جهم كَمَا سَنذكرُهُ فِيمَا بعد فَهَؤُلَاءِ هم مرجئون جهميون
وفريق جوزوا القَوْل بالارجاء وَلَا يَقُولُونَ بالجبر وَلَا بِقدر وهم فِيمَا بَينهم خمس فرق اليونسية والغسانية والثوبانية والتومنية والمريسية فَصَارَت المرجئة على هَذَا التَّفْصِيل سبع فرق
1 / 24
وَفرْقَة هم البكرية وَفرْقَة هم النجارية المقيمون بِالريِّ ونواحيها وهم أَكثر من عشر فرق فِيمَا بَينهم كالبرغوثية والزعفرانية والمستدركة وَغَيرهم ويعدون فرقة وَاحِدَة وَفرْقَة هم الضرارية وَفرْقَة هم الْجَهْمِية وَفرْقَة هم كرامية خُرَاسَان وهم ثَلَاث فرق الحقائقية والطرائقية والإسحاقية ويعدون فرقة وَاحِدَة لِأَن بعض فرقهم لَا يكفر بَعْضًا فَهَؤُلَاءِ الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فرقة
والفرقة الثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ هِيَ النَّاجِية وهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث والرأي وَجُمْلَة فرق الْفُقَهَاء الَّذين اخْتلفُوا فِي فروع الشَّرِيعَة الَّتِي لَا يجْرِي فِيهَا التبري والتكفير وهم من أخبر النَّبِي ﷺ عَنْهُم بقوله الْخلاف بَين أمتِي رَحمَه وَالله ولي الْعِصْمَة من كل إلحاد وبدعة
1 / 25
الْبَاب الثَّالِث فِي تَفْصِيل مقالات الروافض وَبَيَان فضائحهم
أعلم أَن الروافض يجمعهُمْ ثَلَاث فرق الزيدية والإمامية
والكيسانية الزيدية
فَأَما الزيدية مِنْهُم فَثَلَاث فرق الجارودية والسليمانية والأبترية
الجارودية
فَأَما الجارودية فهم أَتبَاع أبي الْجَارُود وَكَانَ مذْهبه أَن النَّبِي ﷺ نَص على
1 / 27
إِمَامه عَليّ بِالصّفةِ لَا بالإسم وَكَانَ من مذْهبه أَن الصَّحَابَة كفرُوا كلهم بتركهم بيعَة عَليّ ومخالفتهم النَّص الْوَارِد عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُول إِن الإِمَام بعده الْحسن بن عَليّ ثمَّ بعده الْحُسَيْن بن عَليّ وَيكون بعدهمَا الْإِمَامَة شُورَى فِي أولادهما فَمن خرج من أَولا دهما شاهرا سَيْفه دَاعيا إِلَى دينه وَكَانَ عَالما ورعا فَهُوَ الإِمَام
وَزعم قوم من الجارودية أَن الإِمَام المنتظر مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَيَقُولُونَ أَنه لم يمت وَلم يقتل
وَزعم قوم مِنْهُم أَن المنتظر مُحَمَّد بن الْقَاسِم صَاحب الطالقان وَأَنه لم يمت وَلم يقتل
وَزعم قوم مِنْهُم أَن المنتظر يحيى بن عمر الَّذِي قتل بِالْكُوفَةِ وهم لَا يصدقون بقتْله
السليمانية
وَأما السليمانية فهم أَتبَاع سُلَيْمَان بن جرير الزيدي وَكَانَ يَقُول إِن الْإِمَامَة شُورَى وَمَتى مَا عقدهَا اثْنَان من اخيار الْأَئِمَّة لمن يصلح لَهَا فَهُوَ إِمَام فِي الْحَقِيقَة وَكَانَ يقر بامامة أبي بكر وَعمر وَيجوز إِمَامَة الْمَفْضُول وَكَانَ يَقُول إِن الصَّحَابَة تركُوا الْأَصْلَح بتركهم بيعَة عَليّ فَإِنَّهُ كَانَ أولى بهَا وَكَانَ إعراضهم عَنهُ
1 / 28
خطأ لَا يُوجب كفرا وَلَا فسقا وَهَؤُلَاء كَانُوا يكفرون عُثْمَان بِسَبَب مَا أَخذ عَلَيْهِ من الْأَحْدَاث وكفرهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة بتكفيرهم عُثْمَان وَرُبمَا يدعى هَؤُلَاءِ جريرية
ج الأبترية
فَأَما الأبترية مِنْهُم فهم أَتبَاع الْحسن بن صَالح بن حَيّ وَكثير النواء الملقب بالأبتر وَقَول هَؤُلَاءِ كَقَوْل السليمانية غير أَنهم يتوقفون فِي عُثْمَان وَلَا يَقُولُونَ فِيهِ خيرا وَلَا شرا وَقد أخرج مُسلم بن الْحجَّاج حَدِيث الْحسن بن صَالح بن حَيّ فِي الْمسند الصَّحِيح لما أَنه لم يعرف مِنْهُ هَذِه الْخِصَال فأجراه على ظَاهر الْحَال
وَأعلم أَن السليمانية والأبترية يكفرون الجارودية مِنْهُم لتكفيرهم أَبَا بكر وَعمر وَمن تابعهما من الصَّحَابَة وَجَمِيع فرق الزيدية يجمعهُمْ القَوْل بتخليد أهل الْكَبَائِر فِي النَّار ووافقوا الْقَدَرِيَّة فِي هَذَا الْمَعْنى ووافقوا الْخَوَارِج أَيْضا فِي أَن فساق الْملَّة كفار يخلدُونَ فِي النَّار مَعَ الْكفَّار ويقنطون من رَحْمَة الله وَلَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ وَهَؤُلَاء الْفرق الثَّلَاثَة إِنَّمَا يسمون زيدية لقَولهم بإمامة زيد بن عَليّ ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ فِي وقته وإمامه ابْنه يحيى بن زيد فِي وقته وَكَانَ أَمر زيد هَذَا
1 / 29
أَنه بَايعه خَمْسَة آلَاف من أهل الْكُوفَة فَأخذ يُقَاتل بهم يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ عَامل هِشَام بن عبد الْملك فَلَمَّا اشْتَدَّ بهم الْقِتَال قَالَ الَّذين بَايعُوهُ آه مَا تَقول فِي أبي بكر وَعمر فَقَالَ زيد أثنى عَلَيْهِمَا جدي عَليّ وَقَالَ فيهمَا حسنا وَإِنَّمَا خروجي على بني أُميَّة فَإِنَّهُم قَاتلُوا جدي عليا وَقتلُوا جدي حُسَيْنًا فَخَرجُوا عَلَيْهِ ورفضوه فسموا رافضة بذلك السَّبَب وهجروه كلهم وَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا نضر بن خُزَيْمَة الْعَبْسِي وَمُعَاوِيَة بن إِسْحَاق بن زيد بن حَارِثَة مَعَ مِقْدَار مِائَتي رجل فَأتى الْقَتْل على جَمِيعهم وَقتل زيد وَدفن فَأخْرج بعده من الْقَبْر وأحرق وهرب ابْنه يحيى ابْن زيد إِلَى خُرَاسَان وَصَارَ إِلَى نَاحيَة جوزجان وَخرج على نصر بن سيار وَالِي خُرَاسَان فَبعث نصر بن سيار إِلَيْهِ سلم بن أحوز الْمَازِني فِي ثَلَاثَة آلَاف من الْمُقَاتلَة فاستشهد يحيى بن زيد فِي ذَلِك الْقِتَال ومشهده بجوزجان
الكيسانية
وَأما الكيسانية فهم أَتبَاع مُخْتَار بن أبي عبيد الثَّقَفِيّ الَّذِي كَانَ قَامَ يطْلب ثأر الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ يقتل من يظفر بِهِ مِمَّن كَانَ قَاتله بكربلاء وَهَؤُلَاء الكيسانية فرق يجمعهُمْ القَوْل بنوعين من الْبِدْعَة
أَحدهمَا تَجْوِيز البداء على الله تَعَالَى تَعَالَى الله عَن قَوْلهم علوا كَبِيرا
1 / 30
الثَّانِي قَوْلهم بامامة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة ثمَّ اخْتلفُوا فِي سَبَب إِمَامَته فَمنهمْ من قَالَ إِن سَبَب إِمَامَته أَن عَليّ بن أبي طَالب ﵁ دفع الرَّايَة إِلَيْهِ يَوْم الْجمل وَقَالَ لَهُ
(أطعنهم طعن أَبِيك تحمد ... لَا خير فِي حَرْب إِذا لم توقد)
(بالمشرفي والقنا المشرد ...)
وَمِنْهُم من قَالَ أَن سَبَب إِمَامَته ان الْإِمَامَة كَانَت لعَلي ثمَّ لِلْحسنِ ثمَّ للحسين وَقد أوصى حُسَيْن بهَا لِأَخِيهِ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ يهرب من الْمَدِينَة ويقصد مَكَّة إِذْ كَانَ مطالبا ببيعة يزِيد بن مُعَاوِيَة وَهَؤُلَاء الَّذين يَقُولُونَ بإمامة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة
أالكربية
وَقوم مِنْهُم يُقَال لَهُم الكربية أَصْحَاب أبي كرب الضَّرِير يَقُولُونَ إِن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة لم يمت وَلم يقتل وَأَنه فِي جبل رضوى وَعِنْده عين من المَاء وَعين من الْعَسَل يتَنَاوَل مِنْهُمَا وَعِنْده أَسد ونمر تحفظانه من الْأَعْدَاء إِلَى أَن يُؤذن لَهُ فِي الْخُرُوج وَهُوَ الْمهْدي المنتظر عِنْدهم
وَقوم من الكيسانية أقرُّوا بِمَوْتِهِ ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ قوم مِنْهُم ان الْإِمَامَة بعده رجعت إِلَى ابْن أَخِيه عَليّ بن الْحُسَيْن زين العابدين
1 / 31
ب الهاشمية
وَقَالَ قوم أَنَّهَا رجعت إِلَى ابْنه أبي هَاشم عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة ثمَّ قَالَ قوم رجعت بعد أبي هَاشم إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله بن عَبَّاس بِوَصِيَّة أبي هَاشم لَهُ بهَا وَهَذَا قَول ابْن الراوندي وَأَتْبَاعه
ج البيانية
وَقَالَ قوم رجعت إِلَى بَيَان بن سمْعَان التَّمِيمِي وَهَؤُلَاء قوم يلقبون بالبيانية وهم من جملَة الغلاة يدعونَ آلهية بَيَان بن سمْعَان ويزعمون أَن روح الْإِلَه حل فِي أبي هَاشم ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَيَان
وَقَالَ قوم بل رجعت إِلَى عبد الله بن عَمْرو بن حَرْب وَكَانُوا يدعونَ آلهيته وَكَانَ كثير الشَّاعِر وَالسَّيِّد الْحِمْيَرِي من جملَة الكيسانية كَانَا ينتظران مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَلَهُمَا فِي ذَلِك أشعار كَثِيرَة فمما قَالَه السَّيِّد الْحِمْيَرِي فِي مَعْنَاهُ
1 / 32
(أَلا قل للْوَصِيّ فدتك نَفسِي ... أطلت بذلك الْجَبَل المقاما)
(أضرّ بمعشر والوك منا ... وسموك الْخَلِيفَة والإماما)
(وعادوا فِيك أهل الأَرْض طرا ... مقامك عِنْدهم سِتِّينَ عَاما)
المختارية
وَأول من قَامَ ببدعة الكيسانية ودعا إِلَى إِمَامَة مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة الْمُخْتَار ابْن أبي عبيد أَخذ فِي طلب ثأر الْحُسَيْن بن عَليّ وظفر بأعدائه وَلما تمّ لَهُ الظفر فِي حروب كَثِيرَة اغْترَّ بِنَفسِهِ فَأخذ يتَكَلَّم بأسجاع كأسجاع الكهنة وَلما بلغ خبر كهانته إِلَى مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة خَافَ أَن يَقع بِسَبَبِهِ فتْنَة فِي الدّين وهم ليقْبض عَلَيْهِ فَلَمَّا علم بِهِ الْمُخْتَار وَخَافَ على نَفسه مِنْهُ اخْتَار قَتله بحيلة فَقَالَ لِقَوْمِهِ الْمهْدي مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَأَنا على ولَايَته غير أَن للمهدي عَلامَة وَهِي أَن يضْرب عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَلَا يحيك فِيهِ السَّيْف وَأَنا أجرب هَذَا السَّيْف على مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فَإِن حاك فِيهِ فَلَيْسَ بمهدي
فَلَمَّا بلغ إِلَى مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة هَذَا الْخَبَر خَافَ أَن يقْتله بِمَا ذَكرْنَاهُ من حيلته فتوقف حَيْثُ كَانَ ثمَّ إِن السبأية خدعوا الْمُخْتَار وَقَالُوا لَهُ أَنْت حجَّة الزَّمَان وَحَمَلُوهُ على دَعْوَى النُّبُوَّة فادعاها وَزعم أَن أسجاعه وَحي يُوحى إِلَيْهِ ثمَّ قويت شوكته واستفحل أمره حَتَّى قصد جندا من جنود مُصعب بن الزبير فَهَزَمَهُمْ وَأسر جمَاعَة مِنْهُم فيهم سراقَة بن مرداس الْبَارِقي فَلَمَّا قدم إِلَى الْمُخْتَار احتال وَقَالَ لم تهزمنا جندك وَلَا أسرنا قَوْمك وَلَكِن الْمَلَائِكَة الَّذين جاؤوا لنصرتك وَنَصره جندك هم الَّذين هزمونا فَاعْفُ عَنَّا فَأَنا لم نعلم أَنَّك على الْحق والآن فقد
1 / 33
علناه فَعَلَيْك أقسم بِحَق أُولَئِكَ الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا على أَفْرَاس بلق قَائِمين بنصرتك أَن تَعْفُو عَنَّا فَعَفَا عَنْهُم وَعَاد سراقَة إِلَى جند مُصعب بن الزبير بِالْبَصْرَةِ وَأَنْشَأَ هَذِه الأبيات وَبعث بهَا إِلَى الْمُخْتَار
(أَلا بلغ أَبَا إِسْحَاق أَنِّي ... رَأَيْت البلق دهما مصمتات)
(أرِي عَيْني مَا لم ترأياه ... كِلَانَا عَالم بالترهات)
(كفرت بوحيكم وَجعلت نذرا ... عَليّ قتالكم حَتَّى الْمَمَات)
وَاعْلَم أَن السَّبَب الَّذِي جوزت الكيسانية البداء على الله تَعَالَى أَن مُصعب ابْن الزبير بعث إِلَيْهِ عسكرا قَوِيا فَبعث الْمُخْتَار إِلَى قِتَالهمْ أَحْمد بن شميط مَعَ ثَلَاثَة آلَاف من الْمُقَاتلَة وَقَالَ لَهُم أوحى إِلَيّ أَن الظفر يكون لكم فَهزمَ ابْن شميط فِيمَن كَانَ مَعَه فَعَاد إِلَيْهِ فَقَالَ أَيْن الظفر الَّذِي قد وعدتنا فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَار هَكَذَا كَانَ قد وَعَدَني ثمَّ بدا فانه ﷾ قد قَالَ يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب ثمَّ خرج الْمُخْتَار إِلَى قتال مُصعب وَرجع مهزوما إِلَى الْكُوفَة فَقَتَلُوهُ بهَا
وَاعْلَم أَن الكيسانية اخْتلفُوا فِي حبس مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة بجبل رضوى فَمنهمْ من قَالَ كَانَ ذَلِك عُقُوبَة لَهُ على خُرُوجه بعد قتل الْحُسَيْن بن عَليّ إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة وَطلب الْأمان مِنْهُ وقبوله الْعَطاء من قبله وعَلى أَنه خرج من مَكَّة فِي أَيَّام ابْن الزبير وَقصد عبد الْملك بن مَرْوَان ثمَّ انْصَرف من الطَّرِيق وَعدل إِلَى الطَّائِف وَكَانَ بهَا عبد الله بن عَبَّاس فَتوفي عبد الله بن عَبَّاس وَصلى عَلَيْهِ بهَا مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَدَفنه هُنَاكَ ثمَّ قصد الْيمن فَلَمَّا بلغ شعب رضوى توفّي هُنَاكَ وَدفن وَالَّذين يَقُولُونَ بانتظاره يُنكرُونَ مَوته ويزعمون أَنه غيب عَن النَّاس إِلَى أَن يُؤذن لَهُ فِي الْخُرُوج
وَقَالَ قوم من الكيسانية لَا نَدْرِي سَبَب حَبسه هُنَاكَ وَللَّه فِي حَبسه سر لَا يُعلمهُ إِلَّا هُوَ هَذَا تَفْصِيل قَول الكيسانية من الروافض
1 / 34