المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، الذي أظهر آثار قدرته ، و
أنوار عزته ؛ في كل وقت و زمان ، و حين و أوان . و عمر كل عصر من الإعصار ، بنبي مبعوث ، يدل الخلق ، و يرشدهم إليه . إلى أن ختم الأنبياء و الرسل ، بالنبي الإشرف ، و الرسول الأعلى ، محمد صلى الله عليه ، و على جميع أنبياء الله و رسله .
و أتبع الأنبياء ، عليهم السلام ، بالأولياء ، يخلفونهم في سننهم ، و يحملون أمتهم على طريقتهم و سمتهم .
فلم يخل وقتا من الأوقات ، من داع إليه بحق ، أو دال عليه ببيان و برهان . و جعلهم طبقات ، في كل زمان . فالولي يخاف الولي ، باتباع آثاره ، والاقتداء بسلوكه . فيتأدب بهم المريدون ، و يأتسى بهم الموحدون . قال الله تعالى : ) ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء . ( . و قال النبي صلى الله عليه و سلم : ) خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . . . ( . و قال صلى الله عليه و سلم : ) مثل أمتي مثل المطر ، لا يدري أوله خير ، أم آخره ( .
صفحه ۲۰
فعلم ، صلى الله عليه و سلم ، أن آخر أمته ، لا يخلو من أولياء و بدلاء ، يبينون للأمة ظواهر شرائعه ، و بواطن حقائقه . و يحملونهم على آدابها و مواجبها ، إما بقول أو بفعل . فهم في الأمم ، خلفاء الأنبياء و الرسل ، صلوات الله عليهم . و هم أرباب حقائق التوحيد ، و المحدثون ، و أصحاب الفراسات الصادقة ، و الآداب الجميلة ، و المتبعون لسنن الرسل - صلوات الله عليهم أجمعين - إلى أن تقوم الساعة . لذلك روي عن النبي ، صلى الله عليه و سلم ، أنه قال : ) لا يزال في أمتي أربعن ، على خلق إبرهيم الخليل ، عليه السلام ، إذا جاء الأمر قبضوا ( .
و قد ذكرت في ' كتاب الزهد ' من الصحابة ، و التابعين ، و تابعي التابعين ، قرنا فقرنا ، وطبقة فطبقة ؛ إلى أن بلغت النوبة إلى أرباب الأحوال ، المتكلمين على لسان التفريد ، و حقائق التوحيد ، و استعمال طرق التجريد . فأحببت أن أجمع في سير متأخري الأولياء كتابا ، أسميه ' طبقات الصوفية ' . أجعله على خمس طبقات ، من أئمة القوم ، و مشايخهم ، و علمائهم . فأذكر في كل طبقة عشرين شيخا ، من أئمتهم الذين كانوا في زمان واحد ، أو قريب بعضهم من بعض . و أذكر لكل واحد ، من كلامه و شمائله ، و سيرته ، ما يدل على طريقته ، و حاله ، و علمه ، بقدر وسعي و طاقتي .
و هذا ، بعد أن استخرت الله تعالى في ذلك ، و في جميع أموري ؛ و برئت فيه من حولي و قوتي ؛ و سألته أن يعينني عليه ، و على كل خير ؛ و يوفقني له ؛ و يجعلني من أهله .
و صلى الله على محمد المصطفي ، و على آله ، و أصحابه ، و أزواجه ، و سلم كثيرا .
صفحه ۲۱
الطبقة الأولى
1 - منهم الفضيل بن عياض منهم الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر ، التميمي ، ثم اليربوعي . خراساني ، من ناحية ' مرو ' ، من قرية يقال لها ' فندين ' .
كذلك ذكره إبراهيم بن الأشعث صاحبه ؛ فيما أخبرنا به يحيى بن محمد العكرمي ، بالكوفة ، قال : سمعت الحسين بن محمد بن الفرزدق بمصر ، قال : سمعت أحمد بن حموك ، قال سمعت نصر بن الحسين البخاري ، قال : سمعت إبراهيم بن الأشعث يذكر ذلك .
صفحه ۲۲
وذكر إبراهيم بن شماس ، أنه ولد بسمرقند ، ونشأ بأبيورد . كذلك سمعت أحمد بن محمد بن رميح ، يقول سمعت إبراهيم بن نصر الضبي ، بسمرقند يقول : سمعت محمدا بن على بن الحسن بن شقيق ، يقول : سمعت إبراهيم بن شماس ، قال : سمعت الفضيل بن عياض ، يقول : ' ولدت بسمرقند ، ونشأت بأبيورد ، ورأيت بسمرقند عشرة آلاف جوزة بدرهم ' .
سمعت أبا محمد السمرقندي ، حدثني أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض ، قال : ' أبى ، فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر ، يكنى بأبي على ؛ من بني تميم ، من بنى يربوع ، من أنفسهم . ولد بسمرقند ، ونشأ بأبيورد ، والأصل من الكوفة ' .
وقال عبد الله بن محمد بن الحارث : ' فضيل بن عياض بخاري الأصل ' والله أعلم . مات في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة ، وأسند الحديث : 1 - أخبرنا أبو جعفر ، محمد بن أحمد بن سعيد الرازي ؛ قال : اخبرنا الحسين بن داود البلخى ؛ قال : أخبرنا فضيل بن عياض ؛ قال : أخبرنا منصور ؛ عن إبراهيم ؛ عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، رضى الله عنه ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ) يقول الله تعالى للدنيا : يا دنيا ! مري على أوليائي ، ولا تحلو لي لهم ، فتفتنيهم ( .
صفحه ۲۳
* * * 2 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الرازي قال : سمعت محمدا بن منصور الصائغ ، قال : سمعت مردويه الصائغ ، قال : سمعت الفضيل بن عياض ، يقول : ' من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة ' 3 - قال . وسمعت الفضيل يقول : ' في آخر الزمان أقوام ، يكونون إخوان العلانية ، أعداء السريرة ' .
4 - وبه قال : سمعت الفضيل ، يقول : ' أحق الناس بالرضا عن الله ، أهل المعرفة بالله عز وجل ' .
5 - قال : وسمعت الفضيل يقول : ' لا ينبغي لحامل القرآن ، أن يكون له إلى خلق حاجة ، لا إلى الخلفاء فمن دونهم ؛ ينبغي أن تكون حوائج الخلق كلهم إليه ' .
6 - قال ، وسمعت الفضيل ، يقول : ' لم يدرك عندنا من أدرك ، بكثرة صيام ولا صلاة ؛ وإنما أدرك بسخاء الأنفس ، وسلامة الصدر ، والنصح للأمة . ' 7 - قال : وسمعت الفضيل يقول : ' لم يتزين الناس بشىء ، أفضل من الصدق ، وطلب الحلال ' .
8 - قال : وسمعت الفضيل يقول : ' أصل الزهد الرضا عن الله تعالى ' .
صفحه ۲۴
9 - قال : وسمعته يقول : ' من عرف الناس استراح ' .
10 - قال : وسمعته يقول : ' إني لا أعتقد إخاء الرجل في الرضا ، ولكنى أعتقد إخاءه في الغضب ، إذا أغضبته ' .
* * * 11 - سمعت عبيد بن محمد بن محمد بن حمدان العكبرى ، قال : حدثنا أبو محمد بن الراجيان ، قال : حدثنا فتح بن شخرف ، قال : حدثنا عبد الله بن خبيق ، قال : قال الفضيل : ' تباعد من القراء ، فإنهم إن أحبوك ، مدحوك بما ليس فيك ؛ وإن أبغضوك ، شهدوا عليك ، وقبل منهم ' .
12 - سمعت محمدا بن الحسين بن خالد البغدادي ، بنيسابور ، يقول : سمعت أحمد بن محمد بن صالح ، يقول : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا إسماعيل بن يزيد ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : سألت الفضيل بن عياض عن التواضع ، فقال : ' أن تخضع للحق ، وتنقاد له ، وتقبل الحق من كل من تسمعه منه ' .
* * * 13 - سمعت عبيد الله بن عثمان يقول : سمعت محمدا بن الحسين ، يقول : سمعت المروزي ، يقول : سمعت بشرا بن الحارث ، يقول : قال الفضيل ابن عياض : ' أشتهي مرضا بلا عواد ' .
صفحه ۲۵
14 - أخبرنا أبو محمد ، عبد الله بن أحمد بن جعفر ، الشيباني ، قال : سمعت زنجوبه بن الحسن اللباد ، قال : حدثنا على بن الحسن الهلالى ، قال : حدثنا إبراهيم بن الأشعث ، قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : ' إن فيكم خصلتين ، هما من الجهل : الضحك من غير عجب ، والتصبح من غير سهر ' .
15 - قال : وسمعته يقول : ' من أظهر لأخيه الود والصفا بلسانه ، وأضمر له العداوة والبغضاء ، لعنه الله ، فأصمه ، واعمى بصيرة قلبه ' .
16 - قال : وسمعت الفضيل بن عياض ، يقول - في قول الله تعالى : ) إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ( - : ' الذين يحافظون على الصلوات الخمس ' .
17 - قال : وسمعته يقول : كان يقال : جعل الشر كله في بيت ، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا ' 18 - قال : وسمعته يقول : ' من كف شره فما ضيع ما سره ' .
19 - وبه قال الفضيل : ' ثلاث خصال تقسى القلب : كثرة الأكل ، وكثرة النوم ، وكثرة الكلام ' .
20 - قال : وسمعت الفضيل يقول : ' خير العمل أخفاه . وأمنعه من الشيطان ، أبعده الرياء ' .
21 - قال : وسمعته يقول : ' إن من شكر النعمة أن نحدث بها ' .
22 - وبه قال الفضيل : ' أبى الله إلا ان يجعل أرزاق المتفين ، من حيث لا يحتسبون ' .
23 - وبه قال الفضيل : ' لا عمل لمن لا نية له ، ولا أجر لمن لا حسبة له ' .
صفحه ۲۶
24 - وبه قال : ' طوبى لمن استوحش من الناس ، وانس بربه ، وبكى على خطيئته ' .
2 - ومنهم : ذو النون المصري ومنهم ذو النون بن إبراهيم المصري ؛ أبو الفيض . ويقال : ثوبان بن إبرهيم ، وذو النون لقب . ويقال : الفيض بن إبراهيم .
سمعت عليا بن عمر بن أحمد بن مهدى الحافظ ، ببغداد ، يقول : أخبرني الحسين بن أحمد بن الماذرائى ، قال : قرأعلى أبو عمر الكندى ، في كتابه ' أعيان الموالى ' ، فذكر فيه : ' ومنهم ذو النون بن إبراهيم الأخمينى ؛ مولى لقريش ؛ وكان أبوه إبراهيم نبيا ' .
توفي سنة خمس وأربعين ومائتين . كذلك أخبرني على بن عمر ؛ أخبرني الحسن بن رشيق المصرى ، إجازة ؛ حدثني جبلة بن محمد الصدق ، حدثنا عبد الله بن سعيد بن كثير بن عفير بذلك .
صفحه ۲۷
وقيل : مات سنة ثمان وأربعين . وأسند الحديث : * * * 1 - أخبرنا عبد الله بن الحسين بن ابرهيم الصوفي ، أخبرنا محمد بن حمدون ابن مالك البغدادى ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن المبارك ، أخبرنا أحمد ابن صليح الفيومى ؛ أخبرنا ذو النون المصرى ؛ عن الليث بن سعد ؛ عن نافع ؛ عن ابن عمر ؛ قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم : ) الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ( .
* * * 2 - سمعت منصور بن عبد الله ، يقول : سمعت العباس بن عبد الله الواسطى ، قال : سمعت ابرهيم بن يونس ، يقول : سمعت ذا النون يقول : ' إياك ان تكون بالمعرفة مدعيا ؛ أو تكون بالزهد محترفا ؛ أو تكون بالعبادة متعلقا ' .
4 - وبه قال : سمعت ذا النون - وسئل : ' ما أخفي الحجاب وأشده ؟ ' قال : ' رؤية النفس وتدبيرها ' .
صفحه ۲۸
* * * 5 - اخبرنا الحسن بن رشيق ، إجازة ، قال : حدثنا على بن يعقوب بن سويد الوراق ، حدثنا محمد بن إبراهيم البغدادي ، حدثنا محمد بن سعيد الخوارزمى ، قال : سمعت ذا النون - وسئل عن المحبة - قال : ' ان تحب ما أحب الله ؛ وتبغض ما أبغض الله ؛ وتفعل الخير كله ؛ وترفض كل ما يشغل عن الله ؛ وألا تخاف في الله لومه لائم ؛ مع العطف للمؤمنين ، والغلظة على الكافرين ؛ واتباع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في الدين ' .
صفحه ۲۹
* * * 6 - سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان الرازى ، يقول : سمعت يوسف بن الحسين ، يقول : سمعت ذا النون يقول : قال الله تعالى : ' من كان لى مطيعا ، كنت له وليا ؛ فليثق بى ، وليحكم على . فوعزتى ! لو سألنى زوال الدنيا لازلتها له ' .
* * * 7 - أخبرنى محمد بن أحمد بن يعقوب ، إجازة ، أن عبد الله بن محمد ابن ميمون ، حدثهم ؛ قال : سألت ذا النون عن الصوفي ، فقال : ' من إذا نطق ، أبان نطقه عن الحقائق ؛ وإن سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق ' .
8 - وبه قال : سمعت ذا النون ، يقول : ' الأنس بالله ، من صفاء القلب مع الله ؛ والتفرد بالله ، الانقطاع من كل شيء سوى الله ' .
* * * 9 - سمعت أبا عثمان سعيد بن أحمد بن جعفر ، يقول : سمعت محمد بن أحمد بن محمد بن سهل ، يقول : سمعت سعيد بن عثمان الخياط ، يقول : سمعت ذا النون يقول : ' من أراد التواضع فليوجه نفسه إلى عظمة الله ، فإنها تذوب وتصفو ومن نظر إلى سلطان الله ، ذهب سلطان نفسه ؛ لأن النفوس كلها فقيرة عند هيبته ' .
10 - قال : وسمعت سعيد بن عثمان ، بقول : سمعت ذا النون يقول : ' لم أر أجهل من طبيب ، يداوى سكران ، في وقت سكره . لن يكون لسكره دواء - حتى يفيق - فيداوى بالتوبة ' .
11 - وبه قال : سمعت ذا النون ، يقول : ' لم أر شيئا أبعث لطلب الإخلاص ، من الوحدة ؛ لأنه إذا خلا ، لم ير غير الله تعالى ؛ فإذا لم ير غيره ، لم يحركه إلا حكم الله . ومن أحب الخلوة ، فقد تعلق بعمود الأخلاص ، واستمسك بركن كبير من أركان الصدق ' .
12 - وبه قال : سمعت ذا النون ، يقول : ' من علامات المحب لله ، متابعة حبيب الله في أخلاقه ، وافعاله ، وأره ، وسننه ' .
13 - وسمعته يقول : ' إذا صح اليقين في القلب ، صح الخوف فيه ' .
صفحه ۳۰
14 - سمعت منصور بن عبد الله ، يقول : سمعت العباس بن يوسف ، يقول : سمعت سعيد بن عثمان ، يقول : أنشدنى ذو النون : أموت و ما ماتت إليك صبابتي و لا قضيت من صدق حبك أوطاري مناي ، المنى كل المنى ، أنت لي منى و أنت الغنى ، كل الغنى ، عند أقتاري و أنت مدى سؤلي و غاية رغبتي و موضع آمالي و مكنون اضماري * * * تحمل قلبي فيك ما لا أبثه و إن طال سقمي فيك أو طال إضراري و بين ضلوعي منك مالك قد بدا و لم يبد باديه لأهل و لا جار و بي منك ، في الأحشاء ، داء مخامر فقد هد مني الركن و انبث إسراري * * * ألست دليل الركب ، إن هم تحيروا و منقذ من أشفي على جرف هاري ؟ أنرت الهدى للمهتدين ، و لم يكن من النر في أيديهم عشر معشار فنلني بعفو منك ، أحيا بقربه اغثني بيسر منك ، يطرد اعساري 15 - قال ، و سمعت ذا النون يقول : لئن مددت يدي إليك داعيا ، لطالما كفيتني ساهيا . أ أقطع منك رجاي ، بما عملت يداي ؟ . حسبي من سؤالي ، علمك بحالي ' .
16 - و به قال ذو النون : ' كل مدع محجوب بدعواه عن شهود الحق ؛ لأن الحق شاهد لأهل الحق ؛ لأن الله هو الحق ، و قوله الحق ؛ و لا يحتاج أن يدعي إذا كان الحق شاهدا له ؛ فأما إذا كان غائبا فحينئذ يدعي . و إنما تقع الدعوى للمحجوبين ' .
صفحه ۳۱
17 - و به قال ذو النون : ' من أنس بالخلق ، فقد استمكن من بساط الفراعنة . و من غيب عن ملاحظة نفسه ، فقد استمكن من الإخلاص . و من كان حظه في الأشياء ' هو ' ، لا يبالي ما فاته ، مما هو دونه ' .
* * * 18 - سمعت أبا الحسن ، علي بن محمد القزويني ، يقول : سمعت علي أحمد بن محمد البزناني ، يقول : سمعت محمد بن الحسين ، يقول : سمعت فارسا ، يقول : سمعت يوسف بن الحسين ، يقول : سمعت ذا النون يقول : ' الصدق سيف الله فيأرضه ، ما وضع على شيء إلا قطعه ' .
19 - و بإسناده ، قال ذو النون : ' من تزين بعمله ، كانت حسناته سيئات . ' * * * 20 - سمعت أحمد بن علي بن جعفر ، يقول : سمعت فارسا ، يقول : سمعت يوسف بن الحسي ، يقول : سمعت ذا النون ، يقول : ' بأول قدم تطلبه ، تدركه و تجده ' .
صفحه ۳۲
21 - و بإسناده ، قال : سمعت ذا النون ، يقول : ' أدنى منازل الأنس ، أن يلقى في النار ، فلا يغيب همه عن مأموله ' .
* * * 22 - سمعت أبا سعيد ، أحمد بن محمد بن رميح ، الحافظ ، يقول : سمعت أبا يعلى بن خلف ، يقول : سمعت ابن البرقي ، يقول : سمعت ذا النون يقول : ' الأنس بالله نور ساطع ؛ و الأنس بالخلق غم واقع ' .
* * * 23 - سمعت نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب العطار ، يقول : سمعت أبا محمد البلاذري ، يقول : سمعت يوسف بن الحسين ، يقول : سمعت ذا النون يقول : ' لله عباد تركوا الذنب استحياء من كرمه ؛ بعد أن تركوه خوفا من عقوبته . و لو قال لك : ' اعمل ما شئت ، فلست آخذك بذنب ' . كان ينبغي أن يزيدك كرمه استحياء منه ، و تركا لمعصيته ؛ إن كنت حرا كريما ، عبدا شكورا . فكيف و قد حذرك ؟ ! ' .
24 - وبإسناده ، قال ذو النون : ' الخوف رقيب العمل ، والرجاء شفيع المحن ' 25 - وبإسناده ، قال ذو النون : ' اطلب الحاجة بلسان الفقر لا بلسان الحكم ' .
* * * 26 - سمعت أحمد بن على بن جعفر ، يقول : سمعت الحسن بن سهل بن عاصم ، يقول : سمعت على بن عبد الله الكرجى ، يقول : سمعت ذا النون ، يقول : ' مفتاح العبادة الفكرة . وعلامة الهوى متابعة الشهوات . وعلامة التوكل انقطاع المطامع ' .
* * *
صفحه ۳۳
25 - سمعت أحمد بن على بن جعفر ، يقول : سمعت فارسا ، يقول : سمعت يوسف بن الحسين ، يقول : سمعت ذا النون ، يقول : ' كان لى صديق فقير ، فمات ، فرأيته في النون ، فقلت له : ' ما فعل الله بك ؟ ' . قال : ' قال لي : ' قد غفرت لك ، بترددك إلى هؤلاء السفل ، أبناء الدنيا ، في رغيف ، قبل أن يعطوك ' .
* * * 28 - سمعت أبا جعفر ، محمد بن أحمد بن سعيد الرازى ، يقول : سمعت أبا الفضل ، العباس بن حمزة ، قال : سمعت ذا النون يقول : ' كان الرجل ، من أهل العلم ، يزداد بعلمه بغضا للدنيا ، وتركا لها ؛ واليوم ، يزداد الرجل بعلمه ، للدنيا حبا ، ولها طلبا . وكان الرجل ينفق ماله على علمه ؛ واليوم يكسب الرجل بعلمه مالا . وكان يرى على صاحب العلم ، زيادة في باطنه وظاهره ؛ واليوم ، يرى على كثير من أهل العلم فساد الباطن والظاهر ' .
* * * 29 - سمعت أبا الحسين ، محمد بن أحمد ، الفارسي ، يقول : سمعت فارسا ، يقول : سمعت يوسف بن الحسين ، يقول : سمعت ذا النون يقول : ' العارف ، كل يوم ، أخشع ؛ لأنه - كل ساعة - أقرب ' .
30 - قال ، وسمعت ذا النون يقول : ' يا معشر المريدين ! . من أراد منكم الطريق ، فليلق العلماء بالجهل ، والزهاد بالرغبة ، واهل المعرفة بالصمت ' .
31 - سمعت أبا جعفر الرازى ، يقول : سمعت العباس بن حمزة ، يقول : سمعت ذا النون ، يقول : ' إن العارف لا يلزم حالة واحدة ، إنما يلزم ربه في الحالات كلها ' .
صفحه ۳۴
منهم : 3 - إبراهيم بن أدهم
صفحه ۳۵
و منهم إبراهيم بن أدهم ، أبو إسحاق . من أهل بلخ كان من أبناء الملوك و المياسير . خرج متصيدا ، فهتف به هاتف ، أيقظه من غفلته . فترك طريقته ، في التزين بالدنيا ، و رجع إلى طريقة أهل الزهد و الورع . و خرج إلى مكة ، و صحب بها سفيان الثوري ، و الفضيل بن عياض . و دخل الشام ، فكان يعمل فيه ، و يأكل من عمل يده ؛ و بهامات . و أسند الحديث : 1 - أخبرنا عبد الله بن موسى بن الحسن السلامي ، بمرو ؛ قال : حدثنا لاحق بن الهيثم اللاحقي ؛ قال : حدثنا الحسن بن عيسى الدمشقي ؛ قال : حدثنا محمد بن فيروز المصري ؛ قال : حدثنا بقية ؛ قال : حدثنا إبرهيم ابن أدهم ؛ عن أبيه ، أدهم بن منصور ، عن سعيد بن جبير ؛ عن ابن عباس ؛ ) أن النضبي صلى الله عليه و سلم ، كان يسجد على كور العمامة ( .
* * *
صفحه ۳۶
1 - سمعت أبا العباس ، محمد بن الحسن بن الخشاب ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري ، قال : حدثني أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : ' صحبت إبرهيم بن أدهم بالشام ، أنا و أبو يوسف الغسولى ، و أبو عبد الله السنجارى . فقلت : يا أبا إسحاق ! خبرني عن بدء أمرك ، كيف كان ' - قال : ' كان أبي من ملوك خراسان . و كنت شابا فركبت إلى الصيد . فخرجت يوما على دابة لي ، و معي كلب ؛ فأثرت أرنبا ، أو ثعلبا ؛ فبينما أنا أطلبه ، إذ هتف بي هاتف لا أراه ؛ فقال : يا إبراهيم : إلهذا خلقت ؟ ! أم بهذا أمرت ؟ ! . ففزعت ، و وقفت ، ثم عدت ، فركضت الثانية . ففعل بي مثل ذلك ، ثلاث مرات . ثم هتف بي هاتف ، من قربوس السرج ؛ و الله ما لهذا خلقت ! و لا بهذا أمرت ! . فنزلت ، فصادفت راعيا لأبي ، يرعى الغنم ؛ فأخذت جبته الصوف ، فلبستها ، و دفعت إليه الفرس ، و ما كان معي ؛ و توجهت إلى مكة . فبينما أنا في البادية ، إذا أنا برجل يسير ، ليس معه إناء ، و لا زاد . فلما أمسى ، و صلى المغرب ، حرك شفتيه ، بكلام لم أفهمه ؛ فإذا أنا بإناء ، فيه طعام ، و إناء فيه شراب ؛ فأكلت ، و شربت . و كنت معه على هذا أياما ؛ و علمني ' اسم الله الأعظم ' . ثم غاب عني ، و بقيت وحدي . فبينما أنا مستوحش من الوحدة ، دعوت الله به ؛ فإذا أنا بشخص آخذ بحجزتي ؛ و قال : سل تعطه . فراعني قوله . فقال : لا روع عليك ! و لا بأس عليك ! . أنا أخوك الخضر . إن أخي داود ، علمك ' اسم الله الأعظم ' ، فلا تدع به على أحد بينك و بينه شحناء ، فتهلكه هلاك الدنيا و الآخرة ؛ و لكن ادع الله أن يشجع به جبنك ، و يقوي به ضعفك ، و يؤنس به وحشتك ، و يجدد به ، في كل ساعة ، رغبتك . ثم انصرف وتركني . '
صفحه ۳۷
* * *
صفحه ۳۸
2 - و سمعت محمد بن الحسن البغدادي ، يقول : سمعت علي بن محمد ابن أحمد المصري ، يقول : سمعت أحمد بن عيسى الخراز ، قال : حدثني غير واحد من أصحابنا ، منهم : سعيد بن جعفر الوراق ، و هرون الأدمي ، و عثمان التمار ، قالوا : حدثنا عثمان بن عمارة ، قال : حدثني إبرهيم بن أدهم ، عن رجل من أهل اسكندرية ، يقال له اسلم بن يزيد الجهني ؛ قال : لقيته بالأسكندرية ، فقال لي : من أنت يا غلام ؟ . قلت : شاب من أهل خراسان . قال : ما حملك على الخروج من الدنيا ؟ . قلت : زهدا فيها ، و رجاء لثواب الله تعالى . فقال : إن العبد لا يتم رجاؤه لثواب الله تعالى ، حتى يحمل نفسه على الصبر . فقال رجل ، ممن كان معه : و أي شيء الصبر ؟ . فقال : إن أدنى منازل الصبر ، أن يروض العبد نفسه على احتمال مكاره الأنفس . قال ؛ قلت : ثم مه ؟ . قال : إذا كان محتملا للمكاره ، أورث الله قلبه نورا . قلت : و ما ذلك النور ؟ . قال : سراج يكون في قلبه ، يفرق به بين الحق و الباطل ، و الناسخ ، و المتشابه . قلت : هذه صفة أولياء رب العالمين . قال : أستغفر الله ! . صدق عيسى بن مريم ، عليه السلام ، حين قال : لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها ، فتضيعوها ؛ ولا تمنعوها أهلها ، فتظلموها . فبصبصت إليه ، و طلبت إليه ، و طلب معي أصحابه إليه . فقال عند ذلك : يا غلام ! . إياك - إذا صحبت الأخيار ، أو حادثت الأبرار - أن تغضبهم عليك ؛ فإن الله يغضب لغضبهم ، و يرضى لرضاهم . و ذلك أن الحكماء هم العلماء ؛ و هم الراضون عن الله عز وجل ، إذا سخط الناس ؛ و هم جلساء الله غدا ، بعد النبيين و الصديقين . يا غلام ! احفظ عنى واعقل . واحتمل ولا تعجل . فإن التأني معه الحلم والحياء ، وان السفه معه الخرق والشؤم . قال : فسالت عيناى ، وقلت : والله ! ما حملني على مفارقة أبوي ، والخروج من مالى ، إلا حب الأثرة لله . ومع ذلك ، الزهد في الدنيا ، والرغبة في جوار الله تعالى . فقال : إياك والبخل ! قلت : ما البخل ؟ . فقال : أما البخل - عند أهل الدنيا - فهو ان يكون الرجل بخيلا بماله . وأما الذي عند أهل الآخرة ، فهو الذي يبخل بنفسه عن الله تعالى . ألا وإن العبد إذا جاد بنفسه لله ، أورث قلبه الهدى والتقى ؛ وأعطى السكينة والوقار ، والعلم الراجح ، والعقل الكامل . ومع ذلك تفتح له أبواب السماء ، فهو ينظر إلى أبوابها بقلبه كيف تفتح ، وإن كان في طريق الدنيا مطروحا . فقال له رجل من أصحابه : اضربه فأوجعه ، فإنا نراه غلاما قد وفق لولاية الله تعالى . قال : فتعجب الشيخ من قول أصحابه : قد وفق لولاية الله تعالى . فقال لى : يا غلام ! أما إنك ستصحب الخيار ؛ فكن لهم أرضا يطأون عليك ؛ وإن ضربوك ، وشتموك ، وطردوك ، وأسمعوك القبيح . فإذا فعلوا بك ذلك ، ففكر في نفسك : من أين أتيت ؟ . فإنك إذا فعلت ذلك ، يؤيدك الله بنصره ؛ ويقبل بقلوبهم عليك . واعلم ان العبد إذا قلاه الخيار ، واجتنب صحبته الورعون ، وأبغضه الزاهدون ؛ فإن ذلك استعتاب من الله تعالى ، لكي بعتبه ؛ قلبه الضلالة ، مع حرمان الرزق ، وجفاء من الأهل ، ومقت من الملائكة ، وإعراض من الرسل بوجوههم . ثم لم يبال في أى واد يهلكه . قال ، قلت : إني صحبت - وأنا ماش بين الكوفة ومكة - رجلا . فرأيته - إذا أمسى - يصلى ركعتين ، فيهما تجاوز ؛ ثم يتكلم بكلام خفي ، بينه وبين نفسه ؛ فإذا جفنة من ثريد عن يمينه ، وكوز من ماء ؛ فكان يأكل ويطعمني . قال : فبكى الشيخ عند ذلك ، وبكى من حوله ، ثم قال : يا أبي ! - أو : يا أخي - ذاك أخي داود . ومسكنه من وراء بلخ ، بقرية يقال لها : ' الباردة الطيبة ' . وذلك أن البقاع تفاخرت بكينونة داود فيها . يا غلام ! ما قال لك ؟ وما علمك ؟ قال : قلت : علمني ' اسم الله الأعظم ' . فسأل الشيخ : ما هو ؟ . فقلت : إنه يتعاظم على ان انطق به . فإني سألت به مرة ، فإذا برجل آخذ بحجزنى ؛ وقال : سل تعطه . فراعني ؛ فقال : لا روع عليك ! أنا أخوك الخضر . إن أخي داود علمك إياه . فإياك أن تدعو به إلا في بر ! . ثم قال : يا غلام ! إن الزاهدين في الدنيا ، قد اتخذوا الرضا عن الله لباسا ، وحبه دثارا ، والأثرة له شعارا . فتفضل الله - تعالى - عليهم ، ليس كتفضله على غيرهم . ثم ذهب عنى . فتعجب الشيخ من قولي . ثم قال : إن الله سيبلغ بمن كان في مثالك ، ومن تبعك من المهتدين . ثم قال : يا غلام ! أنا قد أفدناك ومهدناك ، وعلمناك علما . ثم قال بعضهم : لا تطمع في السهر مع الشبع ، و لا تطمع في الحزن مع كثرة النوم ، و لا تطمع في الخوف لله مع الرغبة في الدنيا ؛ و لا تطمع في الأنس بالله مع الأنس بالمخلوقين ؛ و لا تطمع في إلهام الحكمة مع ترك التقوى ؛ و لا تطمع في الصحة في أمورك مع موافقة الظلمة ؛ و لا تطمع في حب الله مع محبة المال و الشرف ؛ و لا تطمع في لين القلب مع الجفاء لليتيم و الارملة و المسكين ؛ و لا تطمع في الرقة مع فضول الكلام ؛ و لا تطمع في رحمة الله مع ترك الرحمة للمخلوقين ؛ و لا تطمع في الرشد مع ترك مجالسة العلماء ؛ و لا تطمع في الحب لله مع حب المدحة ؛ و لا تطمع في الورع مع الحرص في الدنيا ؛ و لا تطمع في الرضا و القناعة مع قلة الورع . ثم قال بعضهم : يا إلهنا ! احجبه عنا ، و احجبنا عنه ! . قالإبرهيم : فما أدري أين ذهبوا .
صفحه ۴۰