قال: قلت: إني إلى ذلك لمحتاج. قال: فتناول الدواةَ والقرطاس وكتب، ولم أدر ما كتب. ثم قال لي: يا نضر، كيف تقول إذا أمرتَ أن تُتْرب كتابًا؟ قال: قلتُ: أَترِبْه. قال: فهو ماذا؟ قلتُ: مُتْرَب. قال: فمن الطين؟ قلتُ: طِنْه. قال: فهو ماذا؟ قلتُ: مطين. قال: قال: فمن السَّحاءة؟ قال: قلتُ: اسحه. قال: فهو ماذا؟ قلتُ: مَسحيٌّ ومسحوٌّ. قال: يا غلامُ، أَترِب واسْحُ وطِنْ. ثم قام فصلى بنا المغرب، ثم قال لغلام فوق رأسه: تبلّغ معه الكتاب إلى الفضل بن سَهْل. قال: فدخلنا عليه، فتناول الكتاب، فقرأه، وقال: يا نضر، إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين الف درهم، فما القصة؟ قال: فحدثته الحديث، ولم أكتمه شيئًا، قال: فقال لي: لحَّنتَ أميرَ المؤمنين! قال: قلتُ: كلَّا، إنما لحنَ هشيمٌ -وكان لحَّانة-، فتبع أميرُ المؤمنين لفظَه، وقد تُتَّبَعُ ألفاظ العلماء. فأمر لي بثلاثين ألف درهم، فأخذت بكلمة واحدة استفادها ثمانين ألف درهم.
أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو عمر الجرمي البصري قال: حدثني عبد الخالق بن منصور النيسابوري قال: حدثني محمد بن حاتم المؤدب قال: مرض النضر بن شميل بن خرشة المازني، فدخل الناس يعودونه، فقال له رجل من القوم: مَسَحَ اللهُ ما بك. فقال النضر: لا تقل: "مسح الله"، ولكن قل: "مصح"، ألم تنظر إلى قول الأعشى:
وإذا ما الخمرُ فيها أَزبدتْ ... أَفَلَ الإِزبادُ فيها فمصَحْ
فقال الرجل: لا بأس، السين قد تعاقب الصاد فتقوم مقامها. فقال النضر: إن كان هذا هكذا؛ فينبغي أن تقول لمن اسمه سليمان: "صليمان"، وتقول: "رصول الله"، وتقول لمن يكنى أبا صالح: "أبا سالح"! ثم قال النضر: لا يكون هذا في السين إلا مع أربعة أحرف: الطاء، والخاء، والقاف، والغين.
1 / 60