شكر المادح إياه على عطائه وذكر مناقبه والثناء عليه واضمار المودة له.
ومن الناحية الفنية ينبغي ان يتوافر في المادح ادبان هما أدب الخلق وادب الرواية الى جانب رجاحة العقل الذي يسوسهما. ويبدو ذلك في أصول تجدر مراعاتها وهي الايجاز والابتعاد عن اللحن، ووضوح المعنى واللفظ، وعدم اللجوء الى الزخرفة البيانية، والقصد الى المعنى دون لف ودوران، ودون تصوير الباطل حقا والحق باطلا، وتجنب الفأفأة وسائر آفات اللسان.
بعد وضع هذه الاصول الجمالية للمدح ينتقل الجاحظ الى غرضه وهو طلب العطاء من ابي الفرج. وهذا العطاء انما يقتضيه من ممدوحه مقابل ما يمحضه من محبة واكبار، وبسبب المشاكلة في الأدب، ولأنه في فاقة وابا الفرج في غنى ومجد، وقد عبر عن ذلك بقوله «وانا اقول بعد هذا كله: لو لم أضمر لكم محبة قديمة ولم أضر بكم بشفيع من المشاكلة، ولا بسبب الأديب الى الأديب، ولم يكن على قبول، ولا على حلاوة عند المحصول، ولم اكن الا رجلا من عرض المعارف، ومن جمهور الاتباع، لكان في احسانكم الينا، وانعامكم علينا، دليل على أنا قد اخلصنا المحبة، واصطفينا لكم المودة» . ويردف قائلا: «ولا خير في سمين لا يحتمل هزال اخيه، وصحيح لا يجبر كسر صاحبه» .
وينهي ابو عثمان الرسالة بتعداد مزايا ابي الفرج على سنة المداحين، فلا يترك منقبة الا وينسبها اليه: الأريحية والنجابة والسيادة والقيادة والذكاء والمهابة والجمال وكرم المحتد والادب. لقد اجتمع له المجد من طرفيه «وهل المجد الا كرم الأرومه والحسب وبعد الهمة، وكثرة الأدب، والثبات على العهد اذا زلت الاقدام، وتوكيد العقد اذا انحلت معاقد الكرام، والا التواضع عند حدوث النعمة، واحتمال كل العثرة، والنفاذ في الكتابة، والاشراف على الصناعة» .
1 / 78