في مختلف ميادين العلم والاخلاق وبذوا سواهم بمواهبهم التي حباهم الله اياها. ولكن ظهر لهم حساد معارضون في تلك العلوم والكتب «منتحلة يدعون مثل دعاويهم، قد وسموا انفسهم بسمات الباطل وتسموا باسماء العلم على المجاز من غير حقيقة، ولبسوا لباس الزور متزخرفين متشيعين بما لا محصول له، يحتذون امثلة المحقين في زيهم وهديهم، ويقتفون آثارهم في الفاظهم والحاظهم وحركاتهم واشاراتهم، لينسبوا اليهم ويحلوا محلهم..» .
ويبدي الجاحظ خشيته من ان يكون له حساد على كتبه التي يعنى بتأليفها يتولون انتحالها ووضع مثلها. او يطعنون بها ويوهمون «فساد معانيها وسقوط الفاظها» . ويورد شاهدا على ذلك محمدا بن ابي العباس الطوسي الذي انبرى يطعن على كتابه في تحليل النبيذ لدى عرضه على المأمون مما اثار حفيظة المأمون على الطوسي، ولم يسكت هذا الطاعن الباغي الا عندما دخل بشر المريسي معارضه وأيد الجاحظ في مذهبه من تحليل النبيذ، ونحن نعلم ان الكتاب الذي طرق موضوع تحليل النبيذ هو «الشارب والمشروب» ولعله هو المقصود.
ويخبرنا الجاحظ انه «ربما الف الكتاب المحكم المتقن في الدين والفقه والرسائل والسيرة والخطب والخراج والاحكام وسائر فنون الحكمة» وينسبه الى نفسه فيقصد اليه جماعة من اهل العلم بالطعن والتحقير والعيب.
وربما فعلوا اكثر من ذلك، اذ يسرقون معاني الكتاب ويؤلفون كتابا حولها ويهدونه الى الملك الذي اهداه كتابه وغيره.
كما يخبرنا انه ربما الف الكتاب الذي هو دون الكتاب الاول في معانيه والفاظه وينسبه الى غيره امثال ابن المقفع والخليل وسلم صاحب بيت الحكمة والعتابي وغيرهم، فيقبل عليهم هؤلاء الطاعنون يتدارسون ويتأدبون به معجبين بمعانيه والفاظه.
1 / 68