طبقات الحنابلة
للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى
وقف على طبعه وصححه
محمد حامد الفقي
(١٣٧١ هـ - ١٩٥٢ م)
مطبعة السنة المحمدية
المقدمة / 1
عنوان الصورة الشمسية لنسخة إدارة الثقافة
المقدمة / 2
الأولى من الصورة الشمسية لنسخة إدارة الثقافة
المقدمة / 3
الأخيرة من الصورة الشمسية لنسخة إدارة الثقافة
المقدمة / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلى على رسوله الكريم
حدثنا الشيخ الإمام الحافظ أبو العز عبد المغيث بن الحرث بن زهير الحربى قال: حدثنا القاضى الإمام الأوحد السعيد الشهيد، أبو الحسين محمد بن الحسين بن خلف الفراء الحنبلى رضى الله عنه - من لفظه وكتابه - وذلك فى سنة أربع وعشرين وخمسمائة قال:
الحمد لله العلى العظيم، السميع البصير، ذى الفضل الواسع، والمنن التوابع، والنعم السوابغ، والحجج البوالغ. علا، فكان فوق سبع سماواته. ثم على عرشه استوى. يعلم السر وأخفى. ويسمع الكلام والنجوى. أنزل القرآن بعلمه، وأنشأ خلق الإنسان من تراب بيده. ثم كوّنه بكلمته. واصطفى رسوله إبراهيم بخلّته.
ونادى كليمه موسى بلغته، فقرّ به نجيّا. وكلمه تكليما. وأمر نوحا بصنعة الفلك على عينه. وخبرنا أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا بعلمه، كما أعلمنا أن كلّ شئ هالك إلا وجهه. وحذّر عباده نفسه التى لا تشبه أنفس المخلوقين.
أحمده على ما منّ علىّ من الإيمان بجميع صفات ربى ﷿، وعلى جميع الأنبياء. حمد شاكر لنعمائه، التى لا يحصيها أحد سواه. وأشكره شكر مقرّ مصدق بحسن آلائه التى لا يقف على كثرتها غيره ﷿، وأؤمن به إيمان معترف بوحدانيته، راغب فى جزيل ثوابه وعظيم ذخره، بفضله وكرمه وجوده، راهب وجل خائف من أليم عقابه، لكثرة ذنوبه وخطاياه وحوباته.
وأشهد أن لا إله إلا الله، إله واحد فرد صمد، قاهر قادر، رءوف رحيم، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا فى ملكه، العدل فى قضائه، الحكيم فى أفعاله، القائم على خلقه بالقسط، الممتن على المؤمنين بفضله. بذل لهم الإحسان، وزيّن فى قلوبهم الإيمان. وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان. وأنزل على
1 / 3
محمد رسوله الفرقان. وعلم القرآن. فتمت نعماء ربنا جل وعلا، وعظمت آلاؤه على المطيعين له. فربنا - جل ثناؤه - المعبود موجودا، والمحمود ممجّدا.
وأشهد أن محمدا ﷺ رسوله المصطفى، ونبيه المرتضى. اختاره الله تعالى لرسالته، ومستودع أمانته. فجعله خاتم النبيين. وخير خلقه أجمعين.
أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. بعثه بالكتاب المسطور فى الرّق المنشور. فبلّغ عن الله ﷿ حقائق الرسالة. وأنقذ به أمته من الرّدى والضلالة. قام بما استرعاه ربه من حقه، واستحفظه من تنزيله، حتى قبضه على كرامته. ومنزلة أهل ولايته الذين رضى أعمالهم. حميدا رضيا سعيدا.
بما سبق له من السعادة فى اللوح المحفوظ قبل أن ينشئ الله نسمته. فعليه صلوات الله وسلامه حيا محمودا. وميتا مفقودا، أفضل صلوات وأنماها. وعلى إخوانه من النبيين وآله أجمعين.
هذا كتاب استخرنا الله تعالى فى تأليفه. وسألناه المعونة على تصنيفه.
وسطرنا فيه ما انتهى إلينا من أخبار شيوخنا أصحاب إمامنا الإمام الأفضل. أبى عبد الله.
١ - أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى ابن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان بن أدّ بن أدد ابن الهميسع بن حمل بن النّبت بن قيدار بن إسماعيل بن ابراهيم صلوات الله عليه وعلى جميع النبيين.
هكذا أخبرنا المبارك بن عبد الجبار بن أحمد - قراءة عليه - قال: أخبرنا أبو على الحسن بن على التميمى. قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك، حدثنا عبد الله ابن أحمد
1 / 4
وقال أبو بكر بن أبى داود: كان فى ربيعة رجلان، لم يكن فى زمانهما مثلهما. لم يكن فى زمان قتادة مثل قتادة. ولم يكن فى زمان أحمد بن حنبل مثله.
وهذا النسب فيه منقبة عميمة. ورتبة عظيمة، من وجهين.
أحدهما: حيث تلاقى فى نسب رسول الله ﷺ. لأن نزارا كان له ابنان. أحدهما: مضر. ونبينا ﷺ من ولده. والآخر ربيعة. وإمامنا أحمد من ولده
والوجه الثانى: أنه عربى صحيح النسب. وقد قال رسول الله ﷺ «أحبوا العرب لثلاث: لأنى عربى. والقرآن عربى، ولسان أهل الجنة عربى (^١)» هكذا ذكره ابن الأنبارى فى كتاب الوقف والابتداء.
وقال الربيع بن سليمان: قال لنا الشافعى: أحمد إمام فى ثمان خصال: إمام فى الحديث، إمام فى الفقه، إمام فى اللغة، إمام فى القرآن، إمام فى الفقر، إمام فى الزهد، إمام فى الورع، إمام فى السنة. وصدق الشافعى فى هذا الحصر.
أما قوله «إمام فى الحديث» فهذا ما لا خلاف فيه ولا نزاع، حصل به الوفاق والاجماع. أكثر منه التصنيف، والجمع والتأليف. وله الجرح والتعديل، والمعرفة والتعليل، والبيان والتأويل. قال أبو عاصم النبيل يوما: من تعدّون فى الحديث ببغداد؟ فقالوا: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبا خيثمة ونحوهم. فقال:
من تعدون بالبصرة عندنا؟ فقالوا: على بن المدينى، وابن الشاذ كونى، وغيرهما.
فقال: من تعدون بالكوفة؟ قلنا: ابن أبى شيبة، وابن نمير، وغيرهما، فقال:
أبو عاصم - وتنفس - ها، ها، ما أحد من هؤلاء إلا وقد جاءنا ورأيناه. فما رأيت فى القوم مثل ذلك الفتى أحمد بن حنبل.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل،
_________
(^١) قال العجلونى فى كشف الخفاء: رواه الطبرانى والحاكم والبيهقى وآخرون عن ابن عباس مرفوعا بسند فيه ضعف جدا.
1 / 5
وعلى بن المدينى، ويحيى بن معين، وأبى بكر بن أبى شيبة. وكان أحمد بن حنبل أفقههم فيه.
ودخل الشافعى يوما على أحمد بن حنبل، فقال: يا أبا عبد الله، كنت اليوم مع أهل العراق فى مسألة كذا. فلو كان معى حديث عن رسول الله ﷺ؟ فدفع إليه أحمد ثلاث أحاديث. فقال له: جزاك الله خيرا.
وقال الشافعى لإمامنا أحمد يوما: أنتم أعلم بالحديث والرجال. فاذا كان الحديث الصحيح فأعلمونى، إن شاء يكون كوفيا، أو شاء شاميا، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا.
وهذا من دين الشافعى حيث سلم هذا العلم لأهله
وقال عبد الوهاب الوراق: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل. قالوا له: وإيش الذى بان لك من علمه وفضله على سائر من رأيت؟ قال: رجل سئل عن ستين ألف مسألة، فأجاب فيها بأن قال «أخبرنا» و«حدثنا».
وقال إبراهيم الحربى - وقد ذكر أحمد -: كأن الله قد جمع له علم الأولين من كل صنف، يقول ما يرى، ويمسك ما شاء.
وقال أبو زرعة الرازى: حزرنا حفظ أحمد بن حنبل بالمذاكرة على سبعمائة ألف حديث. وفى لفظ آخر: قال أبو زرعة الرازى: كان أحمد يحفظ ألف ألف. فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب.
وأما الخصلة الثانية، وهى قوله «إمام فى الفقه» فالصدق فيه لائح. والحق فيه واضح، إذ كان أصل الفقه: كتاب الله وسنة رسوله وأقوال صحابته. وبعد هذه الثلاثة: القياس. ثم قد سلّم له الثلاث، فالقياس تابع. وإنما لم يكن للمتقدمين من أئمة السنة والدين تصنيف فى الفقه، ولا يرون وضع الكتب ولا الكلام، إنما كانوا يحفظون السنن والآثار، ويجمعون الأخبار، ويفتون بها.
1 / 6
فمن نقل عنهم العلم والفقه كان رواية يتلقاها عنهم، ودراية يتفهمها منهم. ومن دقق النظر وحقق الفكر: شاهد جميع ما ذكرته.
وأما نقلة الفقه عن إمامنا أحمد فهم أعيان البلدان، وأئمة الأزمان. منهم ابناه صالح وعبد الله، وابن عمه حنبل، واسحاق بن منصور الكوسج المروزى وأبو داود السجستانى. وأبو اسحاق ابراهيم الحربى، وأبو بكر الأثرم، وأبو بكر المروزى، وعبد الملك الميمونى، ومهنا الشامى، وحرب الكرمانى، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، وأبو زرعة الدمشقى، ومثنى بن جامع الأنبارى، وأبو طالب المسكانى، والحسن بن ثواب، وابن مشيش، وابن بدينا الموصلى، وأحمد بن القاسم، والقاضى الرقى، وأحمد بن أصرم المزنى، وعلى بن سعيد النسوى، وأبو الصقر، والبرزاطي، والبغوى، والشالنجى، وعبد الرحمن المتطبب، وأحمد ابن الحسن الترمذى، وأحمد بن أبى عبدة، وأحمد بن نصر الخفاف، وأحمد ابن واصل المقرى، وأحمد بن هشام الأنطاكى، وأحمد بن يحيى الحلوانى، وأحمد بن محمد الصائغ، وأحمد بن محمد بن صدقة. وهم مائة ونيف وعشرون نفسا.
وأما نقلة الحديث عنه: فقد جمعت فيهم المصنفات، وساقهم الأئمة الثقات وقال الأثرم: قلت يوما - ونحن عند أبى عبيد القاسم بن سلام - فى مسألة. فقال بعض من حضر: هذا قول من؟ فقلت: من ليس بغرب ولا شرق أكبر منه:
أحمد بن حنبل. قال أبو عبيد: صدق.
وقال إسحاق بن راهويه: سمعت يحيى بن آدم يقول: أحمد بن حنبل إمامنا. وقال أبو ثور: أحمد بن حنبل: أعلم من الثورى وأفقه.
وأما الخصلة الثالثة، وهى قوله «إمام فى اللغة» فهو كما قاله. قال المروزى:
كان أبو عبد الله لا يلحن فى الكلام. ولما نوظر بين يدى الخليفة كان يقول:
كيف أقول ما لم يقل.
وقال أحمد - فيما رواه عنه محمد بن حبيب - كتبت من العربية أكثر مما
1 / 7
كتب أبو عمرو بن العلاء. وكان يسأل عن ألفاظ من اللغة تتعلق بالتفسير والأخبار، فيجيب عن ذلك بأوضح جواب، وأفصح خطاب.
فروى عبد الله بن أحمد: سألت أبى عن حديث إسماعيل بن عليّة عن أيوب عن أبى معشر قال «يكره التكفير فى الصلاة» قال أبى: التكفير أن يضع يمينه عند صدره فى الصلاة.
وقال عبد الله أيضا: قرأت على أبى: أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن عطاء قال «فى الوطواط: ثلثى درهم» سألت أبى عن الوطواط؟ قال: هو الخطّاف.
وقال عبد الله أيضا: سألت أبى عن نهى النبى ﷺ عن بيع المجبر؟ فقال: يعنى ما فى الأرحام
وقال عبد الله أيضا: سئل أبى عن حبل الحبلة؟ قال: التى فى بطنها إذا وضعت وتحمل. نهى النبى ﷺ عنه لأنه غرر. يقول: نتاج الجنين.
وقال عبد الله بن أحمد أيضا: سمعت أبى فى حديث ابن مسعود «كفى بالمعك ظلما» قال أبى: المعك: المطل.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثنى أبى حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير «كان رجل يداين الناس، له كاتب ومتجاز» قال أبى:
«المتجازى» المتقاضى
وقال حرب الكرمانى: قلت لأحمد: ما تفسير «لا تقضية فى ميراث إلا ما حمل القسم»؟ قال: إن كان شيئا إن قسم أضرّ بالورثة، مثل الحمام وغير ذلك مما لا يمكن قسمه.
وأما الخصلة الرابعة، وهى قوله «إمام فى القرآن» فهو واضح البيان، لائح البرهان. قال أبو الحسين بن المنادى: صنف أحمد فى القرآن التفسير.
وهو مائة ألف وعشرون ألفا، يعنى حديثا. والناسخ، والمنسوخ، والمقدم والمؤخر فى كتاب الله تعالى، وجواب القرآن وغير ذلك.
1 / 8
وقال عبد الله بن أحمد: كان أبى يقرأ القرآن فى كل أسبوع ختمتين، إحداهما بالليل، والأخرى بالنهار
وقد ختم إمامنا أحمد القرآن فى ليلة بمكة مصليا به.
وأما الخصلة الخامسة، وهى قوله «إمام فى الفقر» فيا لها خلة مقصودة، وحالة محمودة، منازل السادة الأنبياء، والصفوة الأتقياء.
أنبأنا الوالد السعيد باسناده عن أبى جعفر فى قوله تعالى (٧٥:٢٥ ﴿أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ﴾) قال: الجنة ﴿بِما صَبَرُوا﴾ قال: على الفقر فى الدنيا. وباسناده عن أبى برزة الأسلمى قال: قال رسول الله ﷺ: «إن فقراء المسلمين ليدخلون الجنة قبل أغنيائهم بمقدار أربعين خريفا، حتى يتمنى أغنياء المسلمين يوم القيامة أنهم كانوا فى الدنيا فقراء» وباسناده عن أبى سعيد الخدرى قال:
سمعت النبى ﷺ يقول: «اللهم توفنى فقيرا، ولا تتوفنى غنيا» وباسناده عن على قال: قال رسول الله ﷺ: «الفقر على المؤمن أزين من العذار على خد الفرس» وأخبرنا بهذا الحديث جدى جابر قال أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا محمد بن العباس بن الفضل المروزى أبو جعفر، حدثنا أبى حدثنا اسحاق بن بشر، حدثنا شريك عن أبى إسحاق السّبيعى، عن الحارث (^١) عن على قال: قال رسول الله ﷺ «الفقر على المؤمن أزين من العذار على خدّ الفرس» وباسناده عن بلال قال: قال رسول الله ﷺ «الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا. قال: فقلت: كيف لى بذلك يا رسول الله؟ قال: إذا رزقت فلا تخبأ. وإذا سئلت فلا تمنع. قال: قلت:
وكيف لى بذلك، يا رسول الله؟ قال: هو ذاك، وإلا فهو النار».
وأما الخصلة السادسة، وهى قوله «إمام فى الزهد» فحاله فى ذلك أظهر
_________
(^١) هو الحرث الأعور، متهم بالكذب.
1 / 9
وأشهر، أتته الدنيا فأباها، والرياسة فنفاها، عرضت عليه الأموال، وفرضت عليه الأحوال، وهو يرد ذلك بتعفف وتعلل وتقلل. ويقول: قليل الدنيا يجزى وكثيرها لا يجزى، ويقول: أنا أفرح إذا لم يكن عندى شئ. ويقول: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وأيام قلائل.
وقال اسحاق بن هاني: بكّرت يوما لأعارض أحمد بالزهد (^١). فبسطت له حصيرا ومخدّة. فنظر إلى الحصير والمخدة، فقال: ما هذا؟ قلت: لتجلس عليه.
فقال: ارفعه، الزهد لا يحسن إلا بالزهد. فرفعته، وجلس على التراب.
وقال أبو عمير عيسى بن محمد بن عيسى - وذكر عنده أحمد بن حنبل - فقال: ﵀، عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه. عرضت له الدنيا فأباها، (والبدع فنفاها)
وأما الخصلة السابعة، وهى قوله «إمام فى الورع» فصدق فى قوله وبرع، فمن بعض ورعه:
قال أبو عبد الله السمسار: كانت لأم عبد الله بن أحمد دار معنا فى الدرب، يأخذ منها أحمد درهما بحق ميراثه. فاحتاجت إلى نفقة لتصلحها، فأصلحها ابنه عبد الله، فترك أبو عبد الله أحمد الدرهم الذى كان يأخذه، وقال: قد أفسده علىّ.
قلت: إنما تورع من أخذ حقه من الأجرة، خشية أن يكون ابنه أنفق على الدار مما يصل إليه من مال الخليفة.
ونهى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال الخليفة. فاعتذروا بالحاجة، فهجرهم شهرا لأخذ العطاء. ووصف له دهن اللوز فى مرضه. قال حنبل: فلما جئناه به.
قال: ما هذا؟ قلنا: دهن اللوز، فأبى أن يذوقه. وقال: الشّيرج. فلما ثقل واشتدت علته جئناه بدهن اللوز. فلما تبين أنه دهن اللوز كرهه ودفعه، فتركناه ولم نعد له. ووصف له فى علته قرعة تشوى ويؤخذ ماؤها. فلما جاءوا بالقرعة
_________
(^١) أى ليقرأ عليه كتاب الزهد الذى ألفه أحمد
1 / 10
قال بعض من حضر: اجعلوها فى تنّور صالح. فإنهم قد خبزوا. فقال بيده: لا، وأبى أن يوجه بها إلى منزل صالح، قال حنبل: ومثل هذا كثير.
قال حنبل: وأخبرنى أبى - يعنى إسحاق عم أحمد - قال: لما وصلنا العسكر أنزلنا السلطان دارا لإيتاخ (^١) ولم يعلم أبو عبد الله. فسأل بعد ذلك: لمن هذه الدار؟ فقالوا: هذه دار لإيتاخ، فقال: حولونى واكتروا لى دارا، قالوا: هذه دار أنزلكها أمير المؤمنين. فقال: لا أبيت هاهنا، فاكترينا له دارا غيرها، وتحول عنها. وكانت تأتينا فى كل يوم مائدة أمر بها المتوكل، فيها ألوان الطعام والفاكهة والثلج وغير ذلك، فما نظر إليها أبو عبد الله. ولا ذاق منها شيئا، وكانت نفقة المائدة فى كل يوم مائة وعشرين درهما، فما نظر إليها أبو عبد الله. ودامت العلة بأبى عبد الله، وضعف ضعفا شديدا. وكان يواصل، فمكث ثمانية أيام مواصلا لا يأكل ولا يشرب، فلما كان فى اليوم الثامن كاد أن يطفأ، فقلت: يا أبا عبد الله، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام. وهذا لك اليوم ثمانية أيام، فقال: إنّي مطيق قلت: بحقى عليك. فقال: إن حلّفتنى بحقك فإنى أفعل، فأتيته بسويق فشرب
وأجرى المتوكل على ولده وأهله أربعة آلاف درهم فى كل شهر، فبعث إليه أبو عبد الله: إنهم فى كفاية، فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك، ما لك ولهذا؟ فقال له أحمد: يا عمّ، ما بقى من أعمارنا؟ كأنك بالأمر قد نزل. فالله الله، فإن أولادنا إنما يريدون يتأكلون بنا، وإنما هى أيام قلائل، لو كشف للعبد عما قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شر، صبر قليل، وثواب طويل، إنما هذه فتنة. فلما طالت علة أحمد كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب، فيصف له الأدوية، فلا يتعالج، فدخل ابن ماسويه على المتوكل، فقال
_________
(^١) إيتاخ: هو غلام خزرى، اشتراه المعتصم ورفعه. وضمه إليه هو والواثق من بعده أعمالا كثيرة. منها: معونة سامر، وكان إيتاخ موكلا بتنفيذ العقوبات من القتل والحبس، وقد اعتقل فى أيام المتوكل ببغداد ومات فى معتقله سنة ٢٣٥.
1 / 11
له المتوكل: ويحك، ابن حنبل، ما نجح فيه الدواء؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحمد بن حنبل ليست به علة فى بدنه، إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة. فسكت المتوكل.
ولما توفى أحمد وجّه ابن طاهر الأكفان، فردت عليه. وقال عم أحمد للرسول قل له: أحمد لم يدع غلامى يروّحه، يعنى خشية أن أكون اشتريته من مال السلطان، فكيف نكفنه بمالك؟.
وقال ابن المنادى: امتنع أحمد من التحديث قبل أن يموت بثمان سنين، أو أقل، أو أكثر، وذلك: أن المتوكل وجه يقرأ ﵇، ويسأله أن يجعل المعتز فى حجره، ويعلمه العلم، فقال للرسول: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وأعلمه أن علىّ يمينا: أنى لا أتم حديثا حتى أموت، وقد كان أعفانى مما أكره، وهذا مما أكره.
وقال المروزى: سمعت أحمد يقول: الخوف قد منعنى أكل الطعام والشراب فما أشتهيه.
وكان أحمد يزرع داره التى يسكنها، ويخرج عنها الخراج الذى وظفه عمر رضى الله عنه على السواد.
وكان أحمد إذا نظر إلى نصرانى غمض عينيه، فقيل له فى ذلك؟ فقال:
لا أقدر انظر إلى من افترى على الله وكذب عليه.
وقال إسحاق عم أحمد: دخلت على أحمد ويده تحت خده، فقلت له:
يا ابن أخى: أى شئ هذا الحزن؟ فرفع رأسه وقال: طوبى لمن أخمل الله ذكره.
وقال إسماعيل بن حرب: أحصى ما ردّ أحمد بن حنبل حين جئ به إلى العسكر فإذا هو سبعون ألفا.
وقال صالح بن أحمد: كان أبى لا يدع أحدا يستقى له الماء لوضوئه.
وأما الخصلة الثامنة، وهى قوله «إمام فى السنة» فلا يختلف العلماء الأوائل والأواخر: أنه فى السنة الإمام الفاخر، والبحر الزاخر، أوذى فى الله ﷿
1 / 12
فصبر، ولكتابه نصر، ولسنة رسول الله ﷺ انتصر، أفصح الله فيها لسانه، وأوضح بيانه، وأرجح ميزانه. لا رهب ما حذّر، ولا جبن حين أنذر، أبان حقا، وقال صدقا، وزان نطقا وسبقا. ظهر على العلماء، وقهر العظماء ففى الصادقين ما أوجهه، وبالسابقين ما أشبهه. وعن الدنيا وأسبابها ما كان أنزهه جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين، فهو للسنة كما قال الله فى كتابه المبين:
(١٣:٦١ ﴿وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾).
قال على بن المدينى: أيّد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الرّدة، وأحمد بن حنبل فى يوم المحنة.
وقيل: لبشر بن الحارث، يوم ضرب أحمد: قد وجب عليك أن تتكلم.
فقال: تريدون منى مقام الأنبياء؟ ليس هذا عندى، حفظ الله أحمد بن حنبل من بين يديه ومن خلفه، ثم قال، بعد ما ضرب أحمد: لقد أدخل الكير فخرج ذهبة حمراء.
وقال الربيع بن سليمان، قال الشافعى: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر.
فقلت: تطلق عليه اسم الكفر؟ فقال: نعم، من أبغض أحمد بن حنبل عاند السنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة. ومن قصد الصحابة أبغض النبى، ومن أبغض النبى ﷺ كفر بالله العظيم.
وقال أحمد بن إسحاق بن راهويه: سمعت أبى يقول: لولا أحمد بن حنبل وبذل نفسه لما بذلها لذهب الإسلام.
وقال عبد الوهاب الوراق: أبو عبد الله أحمد بن حنبل إمامنا. وهو من الراسخين فى العلم. إذا وقفت غدا بين يدى الله تعالى فسألنى: بمن اقتديت؟ أقول: بأحمد. وأى شئ ذهب على أبى عبد الله من أمر الإسلام؟ وقد بلى عشرين سنة فى هذا الأمر.
وأنبأنا محمد بن الأبنوسى عن الدارقطنى. قال: أخبرنا محمد بن مخلد قال:
1 / 13
سمعت العباس الدّروى يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل. لا والله، لا نقدر على أحمد، ولا على طريق أحمد.
وحدثنا الوالد السعيد - إملاء بجامع المنصور - عن عبد الله بن عبد الرحمن أن عبد الله بن إسحاق المدائنى حدثه قال: حدثنا أبو الفضل الوراق قال: حدثنى أحمد بن هاني عن صدقة المقابرى، قال: كان فى نفسى على أحمد بن حنبل، قال: فرأيت فى النوم كأن النبى ﷺ يمشى فى طريق، وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل، وهما يمشيان على تؤدة ورفق، وأنا خلفهما أجهد نفسى فى أن ألحق بهما فما أقدر، فلما استيقظت ذهب ما كان فى نفسى، ثم رأيت بعد كأنى فى الموسم، وكأن الناس مجتمعون. فنادى مناد: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس:
فنادى: يؤمكم أحمد بن حنبل. فإذا أحمد بن حنبل. فصلى بالناس. وكنت بعد إذا سئلت عن شئ؟ قلت: عليكم بالإمام، يعنى أحمد بن حنبل.
فهذه الثمان التى ذكرها الشافعى، ويقرن بها أيضا ثمان خصال انفرد بها.
إحداها: الإجماع على أصوله التى اعتقدها، والأخذ بصحة الأخبار التى اعتمدها، حتى من زاغ عن هذا الأصل كفروه، وحذروا منه وهجروه، فانتهت إليه فيها الحجة، ووقفت دونه المحجة، وإن كانت كذلك مذاهب المتقدمين من أهل السنة والدين. فصار إماما متبعا، وعلما ملتمعا. وما أشبهه بالقراءات المأثورة عن السلف، ثم انتهت إلى القراء السبعة خير الخلف.
الثانية: اتفاق الألسن عليه بالصلاح، وإليه يشار بالتوفيق والفلاح. فإذا ذكر بحضرة الكافة من العلماء على اختلاف مذاهبهم فى مجالسهم أو مدارسهم قالوا: أحمد رجل من أهل الحديث صالح، لعمرى إنهما خلتان جليلتان، سأل الصلاح الأنبياء، والتمسه الأصفياء، قال الله تعالى فى قصة إبراهيم ﵇ (٨٣:٣٦ ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾) وفى قصة سليمان (١٩:٣٧ ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾).
1 / 14
الثالثة: أنه ما أحبه أحد - إما محب صادق، وإما عدو منافق - إلا وانتفت عنه الظنون، وأضيفت إليه السنن. ولا انزوى عنه رفضا، وأظهر له عنادا وبغضا إلا واتفقت الألسن على ضلالته، وسفه فى عقله وجهالته، وقد قدمنا قول الشافعى «من أبغض أحمد بن حنبل فقد كفر».
وقال قتيبة بن سعيد: أحمد بن حنبل إمامنا، من لم يرض به فهو مبتدع.
الرابعة: ما ألقى الله ﷿ له فى قلوب الخلق من هيبة أصحابه ومحبيه، وأهل مذهبه ومخالصيه. فلهم التعظيم والإكبار، والمعروف والانكار، والمصالح والأعمال. والمقال والفعال. بسطتهم سامية، وسطوتهم عالية. فالموافق التقى يكرمهم ديانة ورياسة. والمنافق الشقى يعظمهم رعاية وسياسة. ولما ذكر لأمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله ﵀ بعد موت إمامنا أحمد - غفر الله لنا وله - أن أصحاب إمامنا يأتون على أهل البدع حتى يكون بينهما الشرّ. فقال لصاحب الخبر: لا ترفع إلىّ من خبرهم شيئا وشدّ على أيديهم. فانهم وصاحبهم من سادات أمة محمد ﷺ.
وقد عرف الله تعالى لأحمد صبره وبلاءه، ورفع علمه أيام حياته وبعد موته أصحابه أجلّ الأصحاب. وأنا أظن أن الله يعطى أحمد ثواب الصّديقين.
الخامسة: ما أحد من أصحابه المتمسكين بمعتقده قديما وحديثا تابع ومتبوع إلا وهو من الطعن سليم، ومن الوهن مستقيم. لا يضاف إليه ما يضاف إلى مخالف ومجانف من وسم ببدعة، أو رسم بشنعة أو تحريف مقال، أو تقبيح فعال.
السادسة: اتفاق القول الأخير والقديم: أن له الاحتياط فى التحليل والتحريم، يعتمد فى فقهه على العزائم، كما لم تأخده فى أصوله المقربة إلى الله ﷿ لومة لائم. يعتمد على كتاب ناطق، أو خبر موافق، أو قول صحابى جليل صادق. ويقدم ذلك على الرأى والقياس.
1 / 15
السابعة: أن كلام أحمد فى أهل البدع مسموع. وإليه فيهم الرجوع.
فمن ظهر فى قوله نكيره، ولما يعتقده تغييره: فقد ثبت تكفيره. مثل ما قال فى اللفظية والمرجئة والرافضة والقدرية والجهمية، وإن كان قد سبق النطق بضلالهم لكن له القدم العالى فى شرح فساد مذاهبهم، وبيان قبيح مثالهم، والتحذير من ضلالهم.
الثامنة: ما أظهره الله تعالى له فى حياته من المراتب، ونشر له بعد مماته من المناقب، ورفع له بذلك العلم بين سائر الأمم. فتنافس حين موته فى الصلاة عليه العلماء والكبراء، والأغنياء والفقراء، والصلحاء والأولياء. لأنه توفى فى شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وأربعين ومائتين. وله سبع وسبعون سنة.
فقال المتوكل على الله لمحمد بن عبد الله بن طاهر: طوبى لك، صليت على أحمد ابن حنبل.
وروى الأئمة الثقات، والحفاظ الأثبات: أن عبد الوهاب الوراق قال:
ما بلغنا أنه كان للمسلمين جمع أكبر منهم على جنازة أحمد بن حنبل، إلا جنازة فى بنى اسرائيل. وروى أحمد بن ثابت الخطيب البغدادى وغيره بإسناده قال: قال الوركانى: أسلم يوم مات أحمد بن حنبل: عشرون الفا من اليهود والنصارى والمجوس (^١). وقال الوركانى: يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح فى أربعة أصناف من الناس: المسلمين، واليهود، والنصارى، والمجوس.
_________
(^١) قال الذهبى: وهى حكاية منكرة. تفرد بها الوركانى والراوى عنه. قال: والعقل يحيل أن يقع مثل هذا الحادث فى بغداد ولا يرويه جماعة تتوفر دواعيهم على نقل ما هو دونه بكثير. وكيف يقع مثل هذا الأمر؟ ولا يذكره المرودى ولا صالح بن أحمد، ولا عبد الله ولا حنبل، الذين حكوا من أخبار أبى عبد الله جزئيات كثيرة. قال: فو الله لو أسلم يوم موته عشرة أنفس لكان عظيما، ينبغى أن يرويه نحو من عشرة أنفس.
1 / 16
وبإسناده عن أحمد بن شبويه قال: سمعت قتيبة يقول: لولا الثورى لمات الورع. ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا فى الدين. قلت لقتيبة: تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين؟ فقال: إلى كبار التابعين.
وبإسناده قال إسحاق بن راهويه: سمعت يحيى بن آدم يقول: أحمد بن حنبل إمامنا.
وبإسناده قال محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلىّ: سمعت أبى يقول:
أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده فى أرضه.
وبإسناده قال علىّ بن المدينى: أحمد بن حنبل سيدنا.
وبإسناده قال الميمونى: سمعت علىّ بن المدينى يقول: ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله ﷺ ما قام أحمد بن حنبل. قال قلت له:
يا أبا الحسن، ولا أبو بكر الصديق؟ قال: ولا أبو بكر الصديق. إن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب.
وبإسناده عن محمد بن علىّ بن شعيب قال: سمعت أبى يقول: كان أحمد بن حنبل بالذى قال النبى ﷺ «كائن فى أمتى ما كان فى بنى إسرائيل، حتى إن المنشار ليوضع على مفرق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه» ولولا أحمد بن حنبل قام بهذا، لكان عارا علينا إلى يوم القيامة، إن قوما سبكوا فلم يخرج منهم أحد.
وأنبأنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو القاسم الأزجى - قراءة - أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال: قرئ على عمر بن بشران: حدثكم الزبير بن محمد قال سمعت عبد الله بن عبد السلام المكى يقول: سمعت محمد بن اسماعيل البخارى يقول: سمعت أبا الوليد الطيالسى يقول: لو أن أحمد بن حنبل رضى الله عنه، فى بنى إسرائيل كتبت له سيرة.
1 / 17
روى أبو علىّ الحداد - قرئ عليه - أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يوسف بن مردة المسجدى الاصبهانى - إجازة - حدثنا عبد الوهاب بن جعفر بن على الميدانى حدثنا أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الكريم المعروف ببكير الحراز الطرسوسى بدمشق قال: سمعت أبا نصر المظفر بن أحمد بن محمد الخياط، سمعت الساجى - وهو زكريا بن يحيى - يقول: أحمد بن حنبل أفضل عندى من مالك والأوزاعى والثورى والشافعى. وذلك أن لهؤلاء نظراء وأحمد بن حنبل فلا نظير له
وبإسناده عن عبد الله بن إسحاق المدائنى قال: سمعت أبى يقول: رأيت كأن الناس قد جمعوا إلى مكة، وكأن الحجر انصدع، فخرج منه لواء. فقلت:
ما هذا؟ فقيل لى: أحمد بن حنبل بايع الله ﷿.
وبإسناده قال عبد الوهاب: لما قال النبى ﷺ «فردوه إلى عالمه» رددناه إلى أحمد بن حنبل. وكان أعلم أهل زمانه.
وبإسناده قال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعى يقول: خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أتقى ولا أورع ولا أفقه - أظنه قال: ولا أعلم - من أحمد ابن حنبل.
وبإسناده قال أحمد بن إبراهيم - يعنى الدورقى - من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فانهموه على الاسلام.
وبإسناده عن سلمة بن شبيب قال: كنا جلوسا عند أحمد بن حنبل، فجاءه رجل فدق الباب، وكنا قد دخلنا عليه خفية، فظننا أنه قد غمز بنا، فدق ثانية وثالثة، فقال أحمد: ادخل. قال: فسلم، وقال: أيكم أحمد؟ فأشار بعضنا إليه.
قال: جئت من البحر من مسيرة أربعمائة فرسخ، أتانى آت فى منامى، فقال:
ائت أحمد بن حنبل وسل عنه. فإنك تدل عليه، وقل له: إن الله عنك راض، وملائكة سماواته وملائكة أرضه عنك راضون. قال: ثم خرج. فما سأله عن حديث ولا مسألة.
1 / 18