إن القومية الاجتماعية تعلم وتمارس أننا كلنا للوطن، وأن الوطن لنا كلنا، وهي استطاعت - هي وحدها استطاعت - أن تغرس في المواطن العادي زهو العزة الوطنية، فلم يعد غريبا عن بلاده، شأن زلم الإقطاعيين، أو عبيد الأجانب، أو السواح المقيمين في هذا الوطن، وليس لهم من إيمان إلا ورقة هوية يحملونها وحملها من قبلهم أجدادهم، ولا شأن من يعتبرون الوطنية بغضا ونقمة وشتيمة.
سيسجل التاريخ الحديث أن أيديولوجية الوطنية، كما تفهمها الثقافة الحديثة وضعت أسسها في بلادنا قوميتنا الاجتماعية.
العيش والحياة
لم يكن مجاملا، صديقي المحامي، حين جلس يشاطرني القهوة في الصباح، ويتكلم بحمية عن نهضتنا. من الكلام ما يفيض ألفاظا تسري عبر الأذن، ومن الكلام ما ينطلق؛ فيلفح السمع بلذعة الصدق، وقد تحققت أن جليسي كان مؤمنا بالعقيدة القومية الاجتماعية، حين قال: «أنتم الوحيدون الذين يستحقون الاحترام، ومبادئكم كما كتبت وشرحت، وكما نفذت هي وحدها، لا سواها، كفيلة بالإنقاذ.»
ودهشت إذ ذكرت أن زائري نشأ في بيئة معادية لهذه الحركة، ولم يكن في سيرته، ولا في حاضره، ما يدل على أنه من المقاتلين، ولا من أبناء الصراع - غير أن نخوته واقتناعه وحماسته واحترامي الشخصي له أهابت بي، فسألت: «إذن فأنت في طريقك إلينا؟» أجاب: معاذ الله! أنا محام، يكاد قصر العدل أن يمسي بيتي، هل تريدني أن أخسر كل دعاوي؟
الفرق بين صديقي المحامي وبين أبناء الحياة، أن هؤلاء لا يهمهم خسارة دعاويهم الخاصة ما داموا يشتغلون في ربح الدعوى الكبرى.
هو يقنص العيش في قصر العدل وهم يبنون الحياة من عرزال يطل على الدنيا، ويقزم قصورها.
انهيار وترميم
من أبشع مشاهد الدنيا الخراب، وإن الذين صفت نفوسهم لا يفسحون لها مدى التلذذ برؤية الانهيار؛ فإن كل مواطن يتهدم هو مواطن خسرناه.
وإنه لمن المؤلم أن نرى بعض الشخصيات المعروفة تنتحر مرارا كل أسبوع، وتنتثر شظايا في مقالات من المغالطات والافتراءات، وليست الكارثة في أن سياسيا تناثر الناس من حوله وانتهى أمره، بل إن الفاجعة بخيبة فئة من الناس عقدت الآمال عليه؛ فإن في ذلك ما يحجر شيئا من حيوية الشعب ويلاشيها. كان علماء الألمان ممن تولوا قيادة الحرب السيكولوجية، في المجزرة البشرية الأخيرة، يثيرون الأنباء المغرضة الكاذبة بين جماهير أعدائهم، ثقة منهم أن خيبة الآمال توقع في معنويات الشعب، وأنت اليوم حين تلمس الريبة في نفوس مواطنينا؛ فلأنهم خلال الثلاثين سنة التي مضت كانوا يوما بعد يوم يتفاءلون بشخص ما، ثم يكتشفون سريرة أمره فيبتسمون بمضض خائبين.
صفحه نامشخص