166

طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

ناشر

المطبعة العصرية

شماره نسخه

طبعة جديدة منقحة ومضافة بقلم المؤلف

محل انتشار

حلب

عفوًا، فكذلك لا تستفيد منها شيئًا؛ لأنَّها لا تعرف طعمها، فلا تهتمُّ بحفظها، فلا تلبث الحرية أن تنقلب إلى فوضى، وهي إلى استبدادٍ مشوَّش أشدُّ وطأةً كالمريض إذا انتكس. ولهذا؛ قرَّر الحكماء أنَّ الحرية التي تنفع الأمَّة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، وأمَّا التي تحصل على أثر ثورةٍ حمقاء فقلّما تفيد شيئًا؛ لأنَّ الثورة -غالبًا- تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولًا. فإذا وُجِد في الأمَّة الميتة من تدفعه شهامته للأخذ بيدها والنهوض بها فعليه أولًا: أن يبثَّ فيها الحياة وهي العلم؛ أي علمها بأنَّ حالتها سيئة، وإنَّما بالإمكان تبديلها بخيرٍ منها، فإذا هي علمت بطبعه من الآحاد إلى العشرات، إلى إلى ...، حتى يشمل أكثر الأمَّة، وينتهي بالتحمُّس ويبلغ بلسان حالها إلى منزلة قول الحكيم المعرّي: إذا لم تقُم بالعدل فينا حكومةٌ ... فنحن على تغييرها قُدَراء وهكذا ينقذف فِكرُ الأمَّة في وادٍ ظاهر الحكمة يسير كالسيل، لا يرجع حتى يبلغ منتهاه. ثمَّ إنَّ الأمم الميتة لا يندر فيها ذو الشَّهامة، إنما الأسف أنْ يندر فيها من يهتدي في أوَّل نشأته إلى الطريق الذي به يحصل على المكانة التي تمكِّنه في مستقبله من نفوذ رأيه في قومه. وإنِّي أنبِّه فكر الناشئة العزيزة أنَّ من يرى

1 / 176