تأثر الثقافة العربية بالثقافة اليونانية
تأثر الثقافة العربية بالثقافة اليونانية
ژانرها
قبيل ذلك العهد أغلقت مدرسة «نصيبين»
Nisibis ، أو بالحري انتقلت إلى الرها
Edessa ، وفي سنة 363م سلمت مدينة نصيبين إلى الفرس، تنفيذا للمعاهدة التي عقدت عقيب انتهاء الحرب التي أشعل نارها العاهل «يوليانوس»، وكان رجال مدرستها منتشرين في الممالك المسيحية إذ ذاك، فعادوا إلى الاجتماع في الرها وأسسوا مدرسة سنة 373م، وبذلك أصبحت تلك المدينة، بالرغم من أنها في أرض تابعة للعاهلية البوزنطية، مركزا للكنيسة التي ينطق زعماؤها باللسان السرياني.
أصبحت مدرسة «الرها» موطنا لأفراد من زعماء النساطرة الذين لم يقبلوا حكم مجلس «أفسوس» غير أن العاهل «زينون» الروماني أغلقها سنة 439م، بحجة أن صبغتها نسطورية متطرفة، فلم يجد أهلها من موئل إلا الهجرة إلى بلاد فارس، فهاجروا إليها برياسة كبيرهم «بارسوما» سنة 457م.
نجح «بارسوما» في أن يقنع «فيروز»، ملك الفرس في ولاء النساطرة له ولأهل فارس، وظلوا، بعد أن قطعوا على أنفسهم هذا العهد، عاكفين عليه في خلال الحروب التي وقعت من بعد ذلك، وبعد ذلك أسس النساطرة مدرسة أخرى في «نصيبين» فأصبحت مركزا للتعاليم النسطورية، وهي تعاليم أنشأت صورة جديدة من المسيحية، صبغتها شرقية بحتة.
من ثم انتشر النساطرة في غربي آسيا، وفي بلاد العرب، ينشرون تعاليم المسيحية على مذهبهم، فأخذوا يستعينون على بث أفكارهم بأقوال ومذاهب منتزعة من الفلسفة اليونانية، فأصبح كل مبشر نسطوري بحكم الضرورة معلما في الفلسفة اليونانية، إلى جانب أنه مبشر نصراني.
ترجم النساطرة كتب زعمائهم، وبخاصة كتب «تيودوروس المصيصي» إلى السريانية ليستعينوا بها على بث أفكارهم، وترويج مذهبهم، ولكنهم لم يقتصروا على هذا، بل ترجموا كثيرا من كتب «أرسطوطاليس» والذين علقوا عليها، ذلك بأنهم قد وقعوا فيها على ما يشد أزرهم في فهم المسائل اللاهوتية العويصة التي كانوا يبشرون بها، بين أمم بعيدة عنها بعدا يجعل نشر هذه التعاليم متعذرا، ما لم يستعن عليها بمبادئ من الفلسفة، ومباحث في التأمل.
غير أن كثيرا من تلك الترجمات قد أفرغ في قالب لم يراع فيه نقل الفلسفة اليونانية لذاتها بل اتخذت ذريعة لبث مذهب ديني، هو مذهب النساطرة، والطعن في قياصرة الروم والكنيسة الرومانية، فضعفت الثقة بالنقل من هذه الناحية؛ حيث قضت الضرورة على النقلة أن يخلطوا قليلا من الفلسفة بكثير من تعاليم المذهب النسطوري، أو بالعكس.
تلك هي النواة الأولى التي نقلت من الفلسفة اليونانية إلى الشرق، وبخاصة فلسفة أرسطوطاليس والأفلاطونية الجديدة، وكذلك كان من حظ جماعة من مترجمي النساطرة أن يكونوا أول من نقل تلك الفلسفة من السريانية إلى العربية.
أما «نسطوريوس» فإنه إن كان قد اتهم وصدر حكم مجمع «إفسوس» عليه؛ فإنه ترك الكنيسة أمام مشكلة من مشاكلها الكبرى التي احتدم من حولها الجدل، حتى انتهى الأمر بعقد مجمع بمدينة «خلقدونية» سنة 448م، وكان من نتائجه أن طردت فئة أخرى من الكنيسة الرئيسية، هم المعتقدون بالطبيعة الواحدة للمسيح
صفحه نامشخص