تأملات في الدين والحياة
تأملات في الدين والحياة
ژانرها
وكلما لاحت من خلال الأفق البعيد أطراف الميدان المنتظر زاد تأهب هؤلاء للعمل الطويل، والشقة البعيدة، والجهاد المنشود، وليس هذا أول عهد المدينة ولا آخره بتوجيه الزحف تلو الزحف إلى أنحاء الجزيرة الثائرة على ربها ونبيها، العاكفة على أصنامها وأهوائها، إلا أن هناك هدنة معقودة مع طواغيت مكة إلى حين، فإذا وقف القتال فى الجنوب فلن يتوقف فى الشمال وستدور رحاه لتطحن تحت وطأتها الثقيلة الأديان البالية، ولتخفى تحت الثرى مبادئ وأحزابا طالما ألصقت الإنسانية بالثرى، وحاولت أن تعتدى على طلائع الهدى الجديد، لتبقى العالم فى إسارها، وتكويه أبدا بنارها!. ولكن النبى المجاهد وأصحابه الأمجاد، أبوا إلا المضى إلى غايتهم، والتنكيل بأشياع الباطل قبل أن ينكلوا بدعوتهم، وفى هذه السبيل يتحرك الجيش إلى الشمال ليوطئ حدود الروم، وليقذف الرعب فى قلوب أذيالهم من العرب الموالين لهم، وليؤمن أسباب الدخول فى الدين الجديد، فلا يخشى أحد فتنة جبار عنيد، وأقبل الناس لتوديع الجيش الزاحف واستعراض قواته، وفى طليعتهم صاحب الرسالة العظمى الذى نظر إليهم نظرة عميقة، ثم أصدر أمره بإسناد القيادة إلى زيد بن حارثة، فإن قتل، فإلى جعفر بن أبى طالب، فإن قتل، فإلى عبد الله بن رواحة، واستمع الناس إلى الأمر وهم واجمون، فقد ألفوا تقديرات النبى عليه الصلاة والسلام كأنما هى إيماء إلى ما خطه القدر!. وأحسوا أن مصارع القادة الثلاثة ستجرى على هذا النحو. !!!!
* * *
* سبعون ضعفا:
تحرك الجيش يطوى الصحراء إلى وجهته، وكان عدده لا يتجاوز ثلاثة آلاف.. وسبقته الأنباء إلى العدو اليقظ، فأعد لهذا الهجوم عدته، وخرج "هرقل " ومعه مائتا ألف جندى لخوض المعركة الخطيرة، وسمع المسلمون بهذه التعبئة المفاجئة، فرأوا أن
ص _206
الأمر يضطرهم إلى التريث والنظر، فإن معركة- هذا مبلغ التفاوت بين خواضها- معروفة النتيجة.
صفحه ۲۰۸