على أن الرواقيين يقرون بأن هناك أشياء تناسب طبيعة الكائن للوهلة الأولى
prima facie ، وله أن «يفضلها» على غيرها «في حالة تساوي بقية العوامل»
ceteris paribus ، وأطلقوا على هذه الأشياء «المفضلات»
preferables . فإذا خيرنا مثلا بين الصحة والمرض، بافتراض تساوي بقية الظروف، لاخترنا الصحة، وإذا خيرنا بين الغنى والفقر لاخترنا الغنى. والفعل الذي يتغيا هذه الأشياء المفضلة يقال له «فعل مناسب»،
23
غير أن البون عريض بين هذا «الفعل المناسب» وبين «الفعل المستقيم»
24
الذي هو حق على الإطلاق. والحكيم يقوم كغيره بأفعال «مناسبة»، غير أنه على استعداد دائما للعدول عنه لكي يؤدي «فعلا مستقيما»؛ فهو يطلب الصحة في العادة، ولكنه إذا أدرك أن مصيره المرض اتجه من تلقاء نفسه إلى المرض، وقد يفضل الحياة في العادة، ولكنه على استعداد دائما لتقبل الموت ما دام ذلك أمرا موافقا للطبيعة. وبصفة عامة فإن ما تقضي به خطة العناية هو دائما عقلاني قلبا وقالبا؛ ومن ثم فإن كل ما سيجري به القضاء ينبغي أن يتقبله الحكيم باعتباره موافقا لطبيعته، ومنصبا في مصلحته.
مصاعب منطقية : ثمة مصاعب منطقية في صلب المذهب الرواقي. فإذا كانت الفضيلة هي وحدها الخير للزم عن ذلك أن تكون العناية مهتمة بأن تحدث الفضيلة ولا شغل لها غير إحداث الفضيلة، غير أن قوانين الطبيعة قد أنتجت ما لا يحصى من الآثمين. وإذا كانت الفضيلة هي الخير الوحيد لما كان هناك مبرر لإدانة القسوة والظلم، حيث إن القسوة والظلم يقدمان لضحيتهما أفضل فرصة لممارسة الفضيلة. وما دام العالم مسيرا تماما بالحتمية فإن قوانين الطبيعة هي التي تحدد هل سأكون صالحا أو غير صالح. فإذا كنت شريرا فلقد أرغمتني «الطبيعة» على أن أكون شريرا، وقد انتفت عني الحرية التي يفترض أن تمنحها الفضيلة.
25
صفحه نامشخص